حسين عبد الرازق في الأسبوع الماضي كتبت في (الأهالي) عن كارثة (الفتنة الطائفية) التي تحولت إلي ظاهرة منذ عام 1972، بدءا بأحداث الخانكة مرورا بأحداث دمنهور، والزاوية الحمراء، والكشح، وقري (منفطين) و(بني واللمس) و(مغاغة) و(سمالوط) بمحافظة المنيا، والبحر الأحمر، وصحيفة النبأ، وأبوالمطامير، ونجع حمادي، والمحلة الكبرى، وأبو قرقاص، والعديسات بالأقصر، والإسكندرية، والعياط..
وصلوا بـ جريمة نجع حمادي ليلة عيد الميلاد المجيد (7 يناير 2010)، وأرجعت هذه الظاهرة إلي مجموعة من الأسباب، منها أن مصر دولة شبه دينية بنص المادة الثانية من الدستور وممارسات الحكم، والتوسع العشوائي لأنشطة ونفوذ المؤسسات الدينية وقادتها منذ حقبة الرئيس (المؤمن) محمد أنور السادات، وسيطرة الخطاب الديني غير الرسمي القائم علي الكراهية واستفزاز المسلمين ضد الأقباط (الكفار)، وصعود تيار (الإخوان المسلمين) والإسلام السياسي عامة ودعوتهم لإقامة دولة دينية (إسلامية) أثارت فزع الأقباط، ووجود تمييز في المجتمع ضد الأقباط علي المستوي القانوني والواقعي في تولي الوظائف العامة، وتجاهل مناهج التاريخ في المدارس المصرية (الحقبة القبطية) في التاريخ المصري (من عام 70 ميلادية إلي عام 641 ميلادية)، وعدم ترشيح الحزب الحاكم إلا مرشحا قبطيا واحدا (وزير المالية) ضمن 444 مرشحا في انتخابات مجلس الشعب 2005، وعدم نجاح أي قبطي للفوز بعضوية مجلس الشعب في المرحلة الحالية، والقيود التي تضعها الحكومة علي بناء الكنائس، واختراق عناصر أصولية متطرفة لأجهزة الإعلام الحكومية، وانعزال الأقباط داخل الكنيسة وإحجامهم عن المشاركة في الحياة الوطنية عامة، ونظر الدولة إلي قادة الكنيسة والأزهر - القادة الدينيين - باعتبارهم الممثلين السياسيين لأتباع هذه الديانة مما (يساعد علي شق الوطن شقا يستحيل إصلاحه مع استمرار الممارسات)، وفي محاولة للمساهمة في التصدي لهذه (الفتنة الوطنية) اقترحت عددا من الحلول، تتناول تعديل المادة (2) من الدستور وفصل الدين عن الدولة والسياسة وإصدار قانون موحد لقواعد بناء المساجد والكنائس (دور العبادة) ومراجعة مناهج التعليم لتخليصها من كل ما يصب في خانة التعصب وأن تكون هناك حصة واحدة مشتركة في المدارس للمسلمين والأقباط تدرس فيها القيم العليا للأديان، وعدم التفرقة بين المسلمين والأقباط في تولي الوظائف العامة، وتغيير لهجة ومفردات وتوجهات الخطاب الديني في أجهزة الإعلام الرسمية والكف عن اعتبار الأقباط أهل ذمة وكفارا.. إلخ.وتلقيت دعوة من برنامج (48 ساعة) في قناة المحور للمشاركة في فقرة حول الفتنة الطائفية تذاع علي الهواء مباشرة مساء يوم الجمعة، وعندما بدأت الفقرة التي أدارها باقتدار الزميل سيد علي مقدم البرنامج، فوجئت بأن الطرف الآخر المشارك هو محام ينتمي إلي تيار الإسلام السياسي المتطرف وأن التركيز علي نقطة واحدة فقط هي المادة (2) من الدستور، وتجاهل كل الأسباب الأخرى التي أوردتها لبروز هذه الفتنة الطائفية.وتنص المادة الثانية في الدستور طبقا لآخر تعديل لها في 22 مايو 1980 علي ما يلي:(الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع).ويثور الجدل السياسي والفقهي علي فقرتين، الأولي (الإسلام دين الدولة) والثانية (مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع).لقد ورد النص الخاص بالإسلام دين الدولة في جميع الدساتير المصرية منذ دستور 1923 الذي نص في المادة (138) على أن الإسلام دين الدولة، وقال الفقيه الدستوري الراحل (د. عبد الحميد متولي) إن هذا النص كان بمثابة تحية من المشرع الدستوري لديانة الأغلبية (ولكن ذلك لا يرتب تميزا في الحقوق أو الواجبات العامة بين المواطنين علي أساس معيار العقيدة الدينية)بالاستثناء الوحيد كان مشروع دستور 1954 الذي خلا من أي نص على دين الدولة، والذي صاغته لجنة من 50 عضوا ضمن ممثلين لأحزاب الوفد والأحرار الدستوريين والسعديين والحزب الوطني القديم والجديد والإخوان المسلمين وحزب مصر الاشتراكي وحزب الكتلة الوفدية وأعضاء من لجنة الثلاثين التي وضعت دستور 1923 وثلاثة من رؤساء الهيئات القضائية وعدد من ألمع فقهاء القانون وشيخ الأزهر وبطريرك الأقباط، وكان من بين أعضاء اللجنة (د. السيد العبري ود. حامد سلطان ود. عثمان خليل عثمان ومحمود عزمي ومصطفى مرعي وأحمد لطفي السيد ود. طه حسين ود. عبدالرازق السنهوري وعبدالرحمن بدوي..).أما النص الخاص بمبادئ الشريعة الإسلامية فقد خلت جميع الدساتير المصرية من أي إشارة لمبادئ الشريعة حتي صدر دستور السادات في عام 1971 بعد انقلاب القصر الذي قاده في 13 مايو 1971، فنصت المادة الثانية علي أن (الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع).ثم أجرى السادات تعديلا علي هذه المادة في 22 مايو 1980 - ضمن تعديلات أخرى شملت إطلاق مدد رئيس الجمهورية بعد أن كانت محددة بمدتين متتاليتين فقط - لتصبح مبادئ الشريعة الإسلامية (المصدر) الرئيسي للتشريع بعد أن كانت أحد المصادر الرئيسية!.وتمت هذه التعديلات كجزء من سياسات الحكم الساداتية، التي قامت إلي إدخال الدين في السياسة بقوة، واللعب علي المشاعر الدينية للمواطنين التي هيمن عليها خطاب ديني تقليدي علي حساب
المــادة (2) مـن الدســتور.. فــي التليفزيــون
نشر في: 26 يناير, 2010: 06:26 م