القسم الثامن: الشغف منبع الإبداع الأدبي والعلمي
هناك سؤال شائع في أوساط الروائيين والقراء على حدّ سواء: هل ينبغي لكاتب الخيال العلمي أن يكون عالماً أو حاصلاً على شهادة علمية أو تدريب علمي في حقل محدّد ؟ أراني هنا مدفوعة للحديث عن جوانب من تجربتي الشخصية في هذا الميدان ابتغاء الحصول على مايمكن وصفه "نظرة عن قرب" في موضوعة الخيال العلمي .
لطالما كنت مغرمة وشغوفة بالموضوعات العلمية وبخاصة الفيزيائية والبيولوجية منها وكنت التهم كتب العلوم إلى جانب الروايات . تسنّت لي ،لحسن الحظّ، قراءة أعمال الكاتب "إسحق أسيموف أو عظيموف" منذ وقت مبكر وتملّكتني الدهشة لقدرته الفائقة في تحويل الموضوعات العلمية إلى سرديات درامية شبيهة بالسرديات الروائية ، ولست أغالي لو قلت أن "أسيموف" هو أحد الكتّاب الكبار الذين فتحوا أمامي مغاليق الفن الروائي وحبّبوه لي . زخرت كتابات "أسيموف" بمفاهيم علمية كثيرة أغلبها ذات طابع فيزيائي، وأبدع الكاتب في وصف هذه المفاهيم وشرح المترتّبات الفلسفية التي تنشأ عنها من خلال نماذج تخييلية تدعى "تجارب فكرية Thought Experiments" ، وكان مفهوم "الأنتروبيا" هو أكثر المفاهيم التي أحببتها وكتبت عنها مقالاً مطولاً وبخاصة أنها تعتبر مقياساً لمقدار العشوائية في أي نظام فيزيائي . وشغفت كثيراً بشرح أسيموف للفكرة القائلة أن الأنتروبيا تميل للتزايد مع الزمن بغياب المؤثرات الخارجية على النظام الفيزيائي ولهذا صارت تعتبَر مؤشّراً لاتجاهية الزمن .
ثم قرأت عن كتاب الروائي والعالم الفيزيائي "جارلس بيرسي سنو " والمعنون "الثقافتان" والمنشور عام 1959 ، وقرأت طبعة جديدة له بعنوان "الثقافتان : نظرة ثانية " نشر عام 1962 ، ومنذ ذلك الحين وأنا أرى في العلم ميداناً إبداعياً لايختلف نوعياً عن الميدان الأدبي ، وأن أصل الإبداع في كل الحقول المعرفية يغترف من المنبع ذاته : الشغف ، وتعمّقت قناعتي بضرورة أن يمتلك المرء - فضلاً عن الكاتب - معرفة بالمفاهيم العلمية الأساسية كما تحكي عنها كتابات المؤلفين العظام - من أمثال أسيموف - بعيداً عن الشائع من العلم المدرسي المتيبّس القاتل لكلّ شغف.
شغفت بعدها بكتب "ألدوس هكسلي" التي تعنى بالنقد الاجتماعي عبر توظيف ساخر لأدب الخيال العلمي بخاصة روايته "عالم طريف شجاع" يعلن فيها هكسلي بطلان أحلام البشرية بشأن المدن الفاضلة معتمدا على اعتقاده الجازم في فشل الفكرة العلمية المثالية لدى التطبيق وانحراف العلم عن المسار الإنساني واتجاهه صوب تشويه الوجود وبالتالي تدمير السمات الانسانية وأطلق على عصر مدينته المريعة أسم "فورد" ويقسم فيه الناس باعتباره رمز تاريخها الافتراضي ويعدونه عيدا لعالمهم الآلي الخالي من الروحانيات والخلود والفن بعد إعدام الكتب وتدمير المكتبات والأعمال الفنية وإغلاق المتاحف.
حرصت بعدهاعلى قراءة معظم الأعمال المنشورة في حقل رواية الخيال العلمي، ولابد من الإشارة إلى رواية " 1984" لـ "جورج أورويل" وكذلك رواية "البرتقالة الميكانيكية" للكاتب "أنتوني بيرغيس" التي تحوّلت إلى فلم سينمائي عظيم على يد المخرج الأمهر "ستانلي كوبريك" .
يضمّ كتابي "إذا كنتَ تحب" قصة خيال علمي بعنوان "الموجة السابعة : موجة الحب" ، وتستكشف القصة الموضوعة السايكولوجية التالية : هل يمكن لمخلوقات فضائية كيّفت نفسها على كبح النزعة العدوانية أن تنجح في نقل صفاتها السلوكية إلى البشر الأرضيين الموسومين بنزعة عدوانية فاضحة ؟ أم أن تلك النزعة العدوانية البشرية تخدم الارتقاء البشري لأنها توفّر الحافز لهذا الارتقاء وتدفع باتجاهه؟