اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ليس هكذا..

ليس هكذا..

نشر في: 11 يونيو, 2016: 06:19 م

ليس هكذا يكون الاحتجاج السلميّ، ولا هكذا يكون الحراك المدني، ولا هذه هي الطريق المُفضية إلى الإصلاح حتى في أقل درجاته وأدنى مستوياته، ذلك أنَّ عملاً كهذا يفتقد العقلانية، ولا إصلاح من دون عقلانية.
 ما أعنيه جملة الهجمات الأخيرة على مقارّ الأحزاب والحركات السياسية، فهي كما الهجومان السابقان على مبنى مجلس النواب ومبنى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، لم تكن لها أيّ ضرورة. الحركة الاحتجاجية المتواصلة منذ عشرة أشهر إنما انطلقت في سبيل إصلاح العملية السياسية، ومكافحة الفساد الإداري والمالي، وتوفير الخدمات العامة الأساس، وردّ عدوان داعش وإزالة آثاره.
كلّ ما حصل في الشهرين الأخيرين من بعض المتظاهرين، على صعيد مهاجمة مكاتب مؤسسات الدولة والمقارّ الحزبية في بغداد ومدن أخرى، لا يجمعه جامع بأهداف الحراك الاحتجاجي، بل يتناقض مع جوهره بوصفه حراكاً مدنياً سلمياً.
ما مِن شكّ في أن الطبقة السياسية المتنفّذة في السلطة، إن في الحكومة أو في البرلمان، أظهرت موقفاً غير مسؤول حيال مطالب المتظاهرين المُعترف بمشروعيتها ودستوريتها، فقد عملت كل ما من شأنه تفادي تأدية الاستحقاق الإصلاحي، وعمدت إلى الخداع والحيلة للتملّص من مترتّبات هذا الاستحقاق، بيدَ أنَّ الذهاب بالحركة الاحتجاجية إلى دائرة العنف والإضرار بممتلكات عامة وخاصّة، لم يكن قراراً سديداً أو عملاً صحيحاً.
الحركة الاحتجاجية جرّبت أن تُطوّر نفسها من تظاهرات أُسبوعية الى اعتصام متواصل، ونجحت في الضغط على الحكومة والبرلمان وقته. وإذ استوعبت الطبقة السياسية المتنفّذة الضغط واتّبعت أسلوب الخديعة، كان يتعيّن أن يعود المتظاهرون إلى الاعتصام مدة أطول هذه المرّة لممارسة المزيد من الضغط الذي كان ولابدّ ستنجم عنه قرارات حكومية وتشريعات برلمانية تُحقّق بعض الخطوات الإصلاحية.
صحيح أنَّ الطبقة المتنفّذة، وهي على وجه العموم طبقة فاسدة حتى النخاع، لن تستجيب لمطالب المحتجّين بالتظاهرات وحدها، وأنّ ثمّة حاجة إلى عمل أكبر لإرغامها على الرضوخ والانصياع بعد كل هذا الوقت من المماطلة والممانعة والتسويف، لكنّ الظرف الراهن غير مواتٍ لثورة شعبية يُمكن بها تغيير المعادلة القائمة. الثورة لها شروط ذاتية وأخرى موضوعية.. ذاتياً، مجتمعنا ليس ناضجاً للثورة، وموضوعياً، هناك احتلال داعش، وهناك ضعف مؤسسة الجيش الوطني التي يمكن أن تقف إلى جانب الشعب إذا ما فجّر ثورته، وهناك الميليشيات المسلّحة، وهي مرتبطة بالأحزاب المتنفّذة في السلطة نفسها، وهذا ما سيجعلها تتصدّى بكلّ وحشية للثورة الشعبية، إذا ما اندلعت في هذا الظرف بالذات.
ما من شكٍّ أيضاً في أنَّ الذين هاجموا مكاتب الحكومة والبرلمان والمقارّ الحزبية وأحدثوا أضراراً فيها، هم في الغالب جهلة، ربما لا يعرف الكثير منهم لماذا هم يفعلون ذلك. ومن غير المستبعد وجود مندسّين بينهم من الطبقة السياسية الحاكمة نفسها للإساءة إلى سمعة الحركة الاحتجاجية، أو من خارج هذه الطبقة للدفع باتّجاه إثارة الفوضى في البلاد.
من اللازم مواصلة الحركة الاحتجاجية حتى تحقيق مطالبها، بكلّ أشكال الحراك السلمي، ومن الواجب الحؤول دون انحرافها نحو ما يُمكن أن يتسبّب في إجهاضها، ذاتياً أو بالقوّة الغاشمة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. بغداد

    استاذ عدنان حسين احتمال جدا كبير ان الذي نظم هذه الهجمات على مقرات احزاب حكومة فيشي الحاكمة المتسلطة على رقاب العراقيين بواسطة ميليشياتها الأرهابية بالنار والحديد والخطف والإغتيالات او الاعتقالات العشوائية عامي شامي لأن مقرات احزابهم هي عبارة عن اوكار غام

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

 علي حسين في ملحمته الإلياذة يروي لنا الشاعر الاغريقي هوميروس كيف أن أسوار مدينة طروادة كانت عصيّة على الجيوش الغازية . فما كان من هؤلاء إلا أن لجأوا إلى الحيلة فقرروا أن يبنوا...
علي حسين

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

 لطفية الدليمي غريبٌ هذا الهجومُ الذي يطالُ الراحل (علي الوردي) بعد قرابة الثلاثة عقود على رحيله.يبدو أنّ بعضنا لا يريد للراحلين أن ينعموا بهدوء الرقود الابدي بعد أن عكّر حياتهم وجعلها جحيماً وهُمْ...
لطفية الدليمي

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

طالب عبد العزيز هذا ما كتبه ابو المحن المحسود البصريّ لاِبنهِ ذي الهمّة، الذي واصل الليل بالنهار، متصفحاً خرائط المدن والاسفار، عاقداً وشيعة الامل بالانتظار، شاخصاً بعينه الكليلة النظيفة، متطلعاً الى من يأخذ بيده...
طالب عبد العزيز

ريادة الأعمال.. نحو حاضنة شفافة

ثامر الهيمص مخرجات الشفافية, تمتاز عن غيرها, بأن ردود الفعل تأتي انية في النظر او العمل, مما يجعلها تمضي بوضوحها مستفيدة من هنات وليس عثرات تراكمت اسبابها مسبقا في عالم الا شفافية, اللهم الا...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram