ليس واحداً ولا اثنين ولا ثلاثة، ولا حتى عشرة فقط، من كبار المسؤولين في الدولة والأحزاب والقوى السياسية، هم الذين سعوا عن سابق إصرار وترصّد للتهوين من تجاوزات عناصر مسلّحة، وبخاصة من الحشد الشعبيّ (الميليشيات)، ضد المدنيين في المناطق التي غدت ساحة حرب مع داعش.
الذريعة المقدّمة لهذا التهوين أنّ التجاوزات كانت "حالات فرديّة"، أي ليست جماعيّة وليست موجّهة وموصى بها من قيادات التشكيلات المسلّحة، نظاميّة كانت هذه التشكيلات أم غير نظاميّة. وهذا أمر مشكوك فيه، فالحالات التي عُرِضت على الفضائيات وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وهي بالتأكيد ليست سوى جزء يسير من هذه الحالات، أوضحت أنّ أكثر من شخص مسلّح كان يتولّى أعمال الإهانة والتنكيل ضد المدنيين، بما في ذلك التعذيب الجسدي القاسي.
لا أظن أنّ من الأخلاق في شيء التبرير لفعل الشرّ حتى لو كان مرتكبه شخصاً واحداً وضحيته شخصاً واحداً أيضاً.. أنا هنا أستند، على نحو خاص، إلى نصّ قرآني غير منسوخ لطالما أُستعينُ به لتبشيع الأعمال الإرهابية التي ينفّذها تنظيم داعش وقبله تنظيم القاعدة وسواهما.
هذا النصّ يقول "مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا". إذنْ مَنْ يقتل فرداً من دون وجه حقّ حكمُه في القرآن أنه كمَنْ قتلَ الناس جميعاً. وتأسيساً على هذه القاعدة الذهبيّة فإنّ مَنْ يُهين شخصاً أو ينكّل به من دون وجه حق فكأنما أهان الناس جميعاً أو نكّل بهم كلّهم.. هذا هو المنطق.
في العادة، القاتل يقف ضده المجتمع والدولة، فيُلقى القبض عليه في الحال ويُودع في السجن ويُقدّم إلى القضاء لينال جزاءه العادل، وفي الغالب هو الإعدام في بلداننا. لماذ إذن يتبارى كبار المسؤولين في دولتنا وفي بعض الأحزاب السياسية في التهوين من التجاوزات السافرة على حقوق الإنسان في المناطق المُحرَّرة للتوّ من داعش، والسعي لتبرئة مرتكبيها بصورة من الصور والتسامح معهم بدعوى أنها فردية؟
الإنسان، الفرد، عندما يقع عليه الظلم في صورة إهانة لفظيّة أو تعذيب جسدي أو حرمان من حقوق وحريّات، لا يفكّر، ولا يصحّ أن يفكّر، بأنَّ التجاوز الواقع عليه حالة فردية أو جماعية، عشوائية أو منظّمة، فيبلعها بسهولة شرب الماء.. في الواقع إنه، لحظة وقوع الظلم عليه، يشعر كما لو أنّ الناس أجمعين قد اجتمعوا عليه وأجمعوا على ظلمه.. إنه، وقته، يمكن أن يكفُر بكلِّ شيء، ويمكن لهذا الكفر أن يدفعه للانتقام فيرتكب جُرماً أكبر من الجرم الواقع عليه، ليس في حق مرتكب الجرم وحده، وإنما في حقّ المجتمع بأجمعه.
عليه ينبغي النظر إلى التجاوز على الحقوق والحريّات، حتى لو كان حالات فرديّة، على أنه تجاوز على الناس وظلم لهم جميعاً، بالضبط كما هو في القرآن حكم القاتل من دون وجه حقّ.
دفاعٌ غير مُبرَّر عن الانتهاكات
[post-views]
نشر في: 14 يونيو, 2016: 05:53 م