TOP

جريدة المدى > سينما > "الأستاذ" لبول توماس أندرسون.. حول أصول الحداثة الأمريكية

"الأستاذ" لبول توماس أندرسون.. حول أصول الحداثة الأمريكية

نشر في: 16 يونيو, 2016: 12:01 ص

مرة أخرى، يثبت بول توماس اندرسون تميّزه، إذ يربط بين طوّاف جواكين فينيكس وزعيم ديانة فيليب سيمور هوفمان في تحليل رائع، حزين عن امريكا ما بعد الحرب.فيلم يول توماس اندرسون الجديد، " الأستاذ "، رائع، غامض وحزين على نحو لا يُحتمَل، في الشكل التقريبي للتر

مرة أخرى، يثبت بول توماس اندرسون تميّزه، إذ يربط بين طوّاف جواكين فينيكس وزعيم ديانة فيليب سيمور هوفمان في تحليل رائع، حزين عن امريكا ما بعد الحرب.
فيلم يول توماس اندرسون الجديد، " الأستاذ "، رائع، غامض وحزين على نحو لا يُحتمَل، في الشكل التقريبي للترتيب في السرد. إنها فقط تلك الروعة والتميّز الشكلي، معاً مع لمسة من زهو مفرط في العنوان، هما اللذان يمكن ان ينقسم  حولهما المعلقون. فاجأنا اندرسون، فيما يُذكر، بأكبر عقدة مع فيلمه " سيكون هناك دم " في 2007، وما من مخرج جعل النقاد عصبيين اكثـر من المخرج الذي صنع فيلمين إستثنائيين على التوالي.

وثانية أحسّ النقاد ببعض التردد بمنح الجائزة الكبرى، خائفين أن يبدوا متحمسين أو خصوما يسهل التغلب عليهم. شعروا بالحاجة الى تغيير المزاج، كي يعلنوا شرعية أصالة تقريظهم السابق. وانا أعترف بأني بعد مشاهدة " الأستاذ " أول مرة في مهرجان فينيسيا السينمائي ( المرة الثانية كانت في لندن قبل اسبوع )، واجهت لحظات مظلمة وجبانة من الضمير في هذا الموضوع، قبل ان ابلع كبريائي وأستجيب فقط لما كان امامي: فيلم فائق الجودة.
مثل الكثير من أعمال اندرسون، هذا الفيلم حول روّاد، زعماء، وعائلات مختلة، ومثل " سيكون هناك دم " يدورحول أصول الحداثة الامريكية، وحول نوع معين من التعويل على النفس والإيمان بها ماقبل تاريخي، مشاريعيا وانجيليا. في هذه الحالة، إنها السنة صفر لنظام عقيدة لم يبلغ حد العمر الذي يضع فيه لا عقلانيته فوق اللوم. فيلم " الأستاذ " هو عن الروحانية بيتية الصنع والفلسفة التافهة،عن بائع متجول متدين يبيع علاجا يشفي من كل الأمراض يقدم تطبيبا ذاتيا للعقل والجسد، يجذب الى ديانته الجديدة الناس الوحيدين والضعفاء على نحو ميؤوس منه. كل هذا يحدث في امريكا ما بعد الحرب، مثل شيء خارج من صفحات شتاينبك أو دليللو، لكن مع مقاطع غريبة وغرابة قائمة خارج الأرض. تساهم في ذلك موسيقى جوني غرينوود المثيرة مساهمة قوية.
يقدم جواكين فينيكس أداءً قويا معذبا في دور فريدي كويل، الجندي المعوق الخارج من البحرية الامريكية في 1945، مع إنهيار عصبي، يتفاقم بإدمانه على خمرة المونشاين التي يصنعها بنفسه. وجهه محزز وهزيل يشبه وجه قديس من القرون الوسطى، يسير مغمغما ومقهقها على نحو غبي تقريبا، طائفا هنا وهناك وقبضتيه أسفل ظهره، ومرفقيه على خاصرته، مثل شخص في نقاهة من جرح رهيب – والذي هو بالطبع كذلك فعلا. ( بالنسبة لي، كويل فينيكس يبدو بعض الشيء أشبه بنيل كاسيدي، الذي يؤدي دور دين موريارتي في فيلم كيرواك " على الطريق ". ) وهو الذي يحيا حياة قاسية، لائذا بالفرار، يجد نفسه مستخفيا على متن زورق بخاري كبير، غريب ومناف للعقل الى حد ما.
المسؤول عن المركب هو شخص كاريزماتي يدعى لانكستر دود، يؤدي دوره فيليب سيمور هوفمان، خطيب مفوّه بوجه أحمر يلقب نفسه بـ ’’ الأستاذ ‘‘، بحركات مسرحية ومظهر ارستقراطي وطبع فولاذي. دور هو مزيج من أل رون هابارد، آين راند وديل كارنيجي. يؤمن في شفاء الأمراض الجسدية والنفسية من خلال إقتلاع الذوات السابقة والمتطفلين بين الكواكب من ملايين السنين،  بواسطة إستجوابات ومداواة مواجهية شبيهة بالتنويم المغناطيسي أو إستعادة الذاكرة أو حتى العلاج بالصدمة الكهربائية التشنجية. يتسلى هذا الأستاذ بكويل، ويغدو من متذوقي خمرته، فيقرر ان يجعل منه حالة خاصة لعلاجه. فريدي هو فول [ مهرج ] لملكه لير، أو بطرس ( أو ر بما يهوذا ) ليسوعه. يعتزم الأستاذ أن يحطم فريدي ويعيد بناءه من جديد، وتمسي فوضى كويل وشعوذة دود حبيستان داخل رقصة موت – ايروتيكية وايروتيكية مثلية.
حين شاهدت " الأستاذ " أول مرة، شاهدته كدراما فصيحة من أفكار، كرواية فوكوية [ نسبة الى فوكو ] عن الجنون، تدور كلها حول رؤى عالمية مجنونة وهامشية مستبعدة من التواريخ السائدة للتنوير الغربي. في مشاهد ثانية، إستجبت بإثارة أكبر للقصة الشخصية لكويل ودود، وقصة حبهما السخيفة، الشريرة والمدانة على نحو مؤثر. موهبة فريدي في تخمير المونشاين من أي شيء يقع في يده ( محلول صبغ، سائل تحميض، فواكه، خبز )، وجعل نفسه حياة وروح الحفلة، هي ليست تفصيلا عَرَضيا.  عبقريته المُسكِرة هي بالطبع النظير لموهبة دود في البلاغة المسكرة وفي الأفكار، إتحدا معا في مؤونة العلم والدين الرسمي. إنهما زوج متسم بالإنسجام صُنِع في فردوس معتل إجتماعيا. كلاهما لهما باع طويل في الإدمان على زادهما الخاص، وربما كان كويل ودود سلفي  الشووبيزنس؛ كلاهما يفهم كليا أفيون الشعوب، وإختبراه على نطاق واسع على نفسيهما. لكن أكثر من هذا، يوحي اندرسون بأن كويل هو في النهاية اكثر حكمة من دود، وفَهِمَ أخيرا أن إجتماعه به كان رد فعل مباشر على حزنه الشخصي، على ضياعه لفرص وعلى ندم حياته. " الأستاذ " عمل واثق من نفسه الى اقصى حد، من صانع أفلام فريد، مختلف تماما عن معايير الإنتاج الهوليوودي : جريء لا يُفوَّت.
 عن/ theguardian

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

القوانين الجدلية على جدول أعمال البرلمان يوم غد الثلاثاء

هل أخطأ البرلمان بعدم حل نفسه مبكراً؟

العمود الثامن: لجنة المرأة تحارب النساء

62 حالة انتحار في ديالى خلال 2024 بسبب "الربا"

أزمة جفاف الأهوار.. الأمم المتحدة تؤكد دعمها و«الموارد» تتحدث عن برامج لاستدامة تدفق المياه

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

"إرنست كول، المصور الفوتوغرافي".. فيلم عن المصور المنفي الجنوب أفريقي

مقالات ذات صلة

فيلم أسامة محمد
سينما

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

علي بدرالحكاية تُروى بالضوء والظلعرض أمس في صالون دمشق السينمائي فيلم "نجوم النهار" للمخرج السوري أسامة محمد، بحضوره الشخصي بعد غيابه عن بلاده ١٤ عاما، الفيلم الذي منع من العرض في زمن النظام السابق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram