كُلّما بدا في الأُفق ما يبشّر بأنَّ دولتنا اللّا دولة قد تخطّتْ عجزها وصار بإمكانها أن تنفي استحالة لَملَمة خرائبها وأنقاضها والشروع ببناء " نواة دولة" أو ما يُشبه الدولة، ظهرت لنا نازلةٌ من نوازل اللا دولة لتنفي ما توهّمنا بأنه أملٌ وإن كان وافداً من خارج السياقات التي عوّدتنا عليها الطبقة السياسية الحاكمة.
النجاحات التي حققتها القوات المسلّحة والتشكيلات الشعبية المساندة لها في الفلوجة، سرعان ما انطفأ بعض بريقها مع ما ظهر من انتهاكات إجراميّة ارتكبتها بعض القوى المنضوية تحت ألوية الحشد الشعبيّ، سواء كانت متمرّدة على توجيهات قياداتها، أو أنَّ الفصيل المنضوية فيه، هو نفسه يُغرّد بأناشيده الطائفيّة المقيتة خارج السرب، على الضدّ من المصالح الوطنيّة العليا وعلى النقيض من توجيهات المرجعيات الدينية الداعية إلى حماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم وحُرماتهم بغضّ النظر عن الهويّة والانتماء.
وفي ذات " الاتّجاه السلبيّ" تحرّكت بعض القوى المشاركة في التظاهرات التي حافظت على طابعها السلميّ لسنوات، فانحرفتْ بنشاطها من المطالبة بالإصلاح والتغيير بوسائل سلميّة إلى اعتماد وسائل التهديد والاقتحام والإرغام، لتنتهي إلى العنف غير المبرَّر ضد مقرّات الأحزاب والكتل السياسيّة في المحافظات. والمفارقة اللّافتة أنَّ " أحزاب الدولة" الراعية لبُنيانها الهشّ، والمسؤولة عمّا حلّ بها من خرابِ وتدهور، وَجَدَتْها فرصةً لعرض عضلاتها، عبر ظهور قادتها في مشهد يسخر من "سذاجتنا"، وهم يُشهِرون مُسدّساتهم ويَعرِضون رشّاشاتهم، ويأخذون صوراً تذكاريّة بالمناسبة، ليؤكدوا بذلك عدم ثقتهم بدولتهم ونظامهم السياسيّ وأجهزتهم الأمنيّة والعسكريّة.
ولولا أنَّ بعض الظنِّ إثمٌ ، لذهبنا أبعد مما تُوحي به الأحداث منذ تصعيد حركة الاحتجاجات السلميّة وتطوّرها إلى اقتحام البرلمان، ثم المواجهة بين المتظاهرين والقوات الأمنيّة المدافعة عن مقرّ رئيس مجلس الوزراء، بخراطيم المياه الساخنة وعبوات الغازات المُسيلة للدموع والرصاص المائيّ والإطلاقات الحيّة، لنُصبحَ وجهاً لوجه أمام مسرح اللامعقول في المحافظات، حيث المتظاهرون يتّخذون من مقرّات أحزابهم الحليفة مسرحاً لفصلٍ آخر من " الظنّ الآثم" ..!
وما يبدو ظنّاً تحوم حوله شبهةُ الإثم، تنقضُه حقيقةُ أنَّ هذا المسلسل الذي يشترك في بطولته كلُّ أحزاب التحالف الوطنيّ الحاكم، وأذرعتها المسلّحة في غيبة كاملة من الدولة التي فقدت هي الأخرى التعبير عن كينونتها بعد أن قرَّر رعاتُها من الطبقة الحاكمة المتنفِّذة إحالتها إلى التقاعد، ريثما يحسمُ أحدُها الصراع بالقوّة على الانفراد بالسلطة باسم "الشعب" وتحت شعارات الإصلاح والتغيير واستعادة الأمن وهيبة الدولة ..
ويومَها سيُحيلُ المنتصرُ الشعبَ نفسَهُ إلى التقاعد ..!
الأحزابُ المُهَيْمِنَةُ تُظهِر عُوَار دولتها..!
[post-views]
نشر في: 15 يونيو, 2016: 06:31 م