TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مقارَبةٌ بينَ بلادِ الله المحصَّنة وعراقٍ عفا عليهِ الزمن!

مقارَبةٌ بينَ بلادِ الله المحصَّنة وعراقٍ عفا عليهِ الزمن!

نشر في: 17 يونيو, 2016: 07:06 م

في العادة تتجنّب الكلام في سيارات الأجرة حين تكون في بلاد عربية، سائحاً أو لشأن اضطراري. فالفكرة الشائعة أنَّ الأجهزة الأمنية خصوصاً في بلدان الأنظمة الشمولية غالباً ما تُجنّد سائقي سيارات الأجرة للتنصّت والمتابعة.
وبالمصادفة اقتحم "الشوفير" اللبناني صمتنا وباشر الهجوم على النظام الطائفي ومحسوبياته، ولم يجد غير نيجيريا الدولة الأفريقية الفقيرة ليقارنها ببلده، فهي من وجهة نظره، رغم فقرها تخضع للنظام، والمواطن فيها آمن لا يخضع للابتزاز. وما أن علم بعراقيتنا، حتى دخل في تفاصيل أوضاعنا المزرية، ورأى أنَّ مشتركات تجمع لبنان واليونان والعراق، فحكّام الدول الثلاث فاسدون. وأعرب عن استغرابه كيف آل الوضع في العراق الى هذا المنحدر الذي بات المواطن فيه يعيش حالة عسرٍ وشدّة، مع أنَّ بلاده تُعدُّ من بين البلدان الأغنى !
قال الشوفير حنّا إنه من عكّار، وهي بلدة أشبه ما تكون بالعراق ! لم تتعود على حياة المدينة وما يسودها من مظاهر التفسخ السياسي والاحتيال و"الزعبرة " خلافاً للطبقة السياسية في بلدينا .! ولم يتردد حنّا في القول إنه "علمانيّ" من أبوين مسيحيين، لكنه يشعر بأنه أقرب لمسلمٍ يخرج من الجامع بعد الصلاة من مسيحيٍّ يغادر الكنيسة بعد قدّاس، وحتى أقرب للبوذي أو السيخي، لأنَّ المهم كونه إنساناً شريفاً يحترم عقل غيره وقيمه وخياراته.  
سألتُه بعد صمت، عن عدد الذين يشابهونه من حيث التفكير والخيار في لبنان، قال دون تردد: ٣٠٪ ، والدليل نتائج الانتخابات البلدية، وحصول قائمة "بيروت مدينتي" على عشرين بالمئة مقابل ٣٢٪ للقائمة الرئيسة.
كان الحوارشيّقاً ولافتاً، لكنه يبعث على الأسى ويُثير الشجن، فالعراق الذي كان احتياطيّ بنكه المركزي عشية الحرب العراقية الإيرانية 36 مليار دينار، يوم كان الدينار يعادل 3.3 دولار وكانت القيمة الشرائية للدينار القيمة الشرائية لـ 100 الف من دنانير اليوم،  تحوّل الى شخاذ دولي، يبحث عن وسطاء يتدخلون لدى الكبار ليحصل على قروضٍ مقَيّدة. وعلى عهدة الشوفير حنّا، فإن العراقي كان يوزّع خيراته على محيطه والعالم وتستجير به الدول والحكومات والمرتزقة أيضاً، وكوبونات النفط خير شاهد قريب على ذلك .
تدخّلَ الصديق هادي عزيز الذي كان الى جانبي، وذكّرني، وهو يوجّه الكلام الى حنا، ان العراق بلد الثلاثين مليون نخلة والفراتين وثروته النفطية باحتياطه الثاني في العالم ، صار يستورد التمور من السعودية والماء من الكويت والنفط من إيران ..!
يا للخجل، فكلُّ هذا الانحطاط لا يكفي. وقد فاتت حنّا وصديقي الحقيقة الأكثر دلالةً على رثاثتنا، إذ صرنا مضرب المثل بالفساد، كلّ أنواع الفساد، ومنها الفساد للتصدير حسب الطلب..!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram