اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > غير مصنف > تولد القصيدة وتموت عراقية

تولد القصيدة وتموت عراقية

نشر في: 27 يناير, 2010: 05:00 م

عباس بيضون بغياب عبد الوهاب البياتي بعد السياب وصلاح عبد الصبور وبلند الحيدري، يختفي قطب اخر للقصيدة الحديثة، فنتذكر ثانية ان هذه القصيدة ولدت عراقية، وان شعراءها العراقيين مشوا بها في شتى المنافي، ونتذكر ان العراق في غياب شعرائه اكثر يتماً وتصحرا.
عبد الوهاب البياتي صنو السياب والقمة الثانية في الشعر العراقي، ارتفعت قامته وهو بعد في الشباب، وكان عليه ما تبقى ان يحافظ على علو هذه القامة وسموقها، وهذا أمر ليس سهلاً ولا بسيطاً، هكذا ظل ابو علي يتنفس شعراً وفي الاغلب كانت آخر شهقاته بيتا من الشعر وقافية ورؤيا.. بلغ البياتي القمة باكرا، ربما لأن هذا الشعر ذهب بعيداً في البساطة وفي ترقيق حاشية الشعر ونفض جزالتها وديباجتها ومتانتها، ذهب بعيدافي هلهلة الشعر، كما كان يقال عن المهلهل، أي تقريبه وتسهيله، كان الشعر على يد البياتي سهلا كأنه يحكى ولا يروى أو يبنى، أو كأنه يغنى ويحدو به، وطالما شعرنا ان المسافة بينه وبين القول العادي أقل مما نظن ، وان موسيقى هذا الشعر اسبق من معانيه، وان تلك الصور والمعاني التي وجد لها إحسان عباس الصدى، إنما تكمن بلاغتها في قربها وإلفتها وأحياناً عاديتها، لعل نجاح البياتي المبكر إنما نبع من أنه وضع السياسة دون التواء في الشعر، وقالها بلغتها المألوفة وبحدتها وغضبها وسخطها، أدخل في الشعر لغة التظاهرة ولغة اللافتة ولغة الشارع، وجعل الشعر لذلك اكثر غضبا ومجابهة وشاعريه، ولنقل انه جعل عبارة الشعر اخت اللسان واخت الانفعال الفوري، لعل نجاحه يقوم على انه قبل الجميع عرف ان على الشعر ان لايختنق في الاعماق، وان قليلا من هواء الشرفات والخارج ينعشه ويجعله سائغا وأنيساً. أنيس شعر البياتي، كما كان معشره، وربما وجد كثيرون ان الأنس ليس كل ما يطلب من الشعر والمعشر لكن البياتي بشعره وشخصه بقي باستمرار زهرة المجلس ، لم تخرجه المصيبة ولا المنفى الى العزلة ولا البعد ظل ابن مجلس واخا مجلس، محنكاً لطيفاً، داهية ذلقا، مليئا بالتوريات، صائغ أخبار، محدثا، طار شعره من على رصيف الشارع الى بستان الرومي وحدائق عائشة، وحانة الخيام واخوة الطريقة، طار وظل دائما وهو يتنقل من غصن الى غصن، ومن مكان الى مكان، خفيفا بسيطا سهلا ، مهلهلا ، لايصعب على اللسان، ولا يثقل على الرأس أو القلب، ظل شعره طيارا طلقا أليفا، لم توحشه زوايا الصوفية، كما لم توعره لغة الشارع فالارجح ان شعر عبد الوهاب البياتي ابن هذه الموسيقى السريعة الخفيفة التي نسمعها كما لو كانت طي صدورنا واسماعنا من زمان. ابو علي ، ما من شاعر عربي الا وله ذكرى مع أبي علي، وما من شاعر عربي الا ورأى فيه ابا بل جدا، كنا حفدته واخوانه وجلساءه في آن واحد، نصغي اليه ونحب عنه ونكره، لكننا في اللحظة المناسبة نسترجع أدب الاحفاد غاب ابو علي، توأم السياب، وفي غيابه سنسمع العراق يتنهد بصوت "غريب في الخليج" ، ويتألم وسط "أباريق مهشمة" في "بستان عائشة" الذي لن يعود اليه احد، أو ربما فزعنا من فكرة عراق بلا نخل ولا قمم، ولربما فكرنا أن القصيدة تولد وتموت عراقية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

موظفو التصنيع الحربي يتظاهرون للمطالبة بقطع أراض "معطلة" منذ 15 عاماً

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

مقالات ذات صلة

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و
غير مصنف

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

متابعة / المدىأكد الفنان السوري علي كريم، بأن انتقاداته لأداء باسم ياخور ومحمد حداقي ومحمد الأحمد، في مسلسلي ضيعة ضايعة والخربة، لا تنال من مكانتهم الإبداعية.  وقال كريم خلال لقاء مع رابعة الزيات في...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram