اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > غير مصنف > نبوءة البياتي

نبوءة البياتي

نشر في: 27 يناير, 2010: 05:15 م

 زهير كاظم عبود لم يزل عبد الوهاب البياتي يرتقي اسوار بغداد ينافس الطيور في تحليقها فوق أضرحة موسى الكاظم وعبد القادر الكيلاني وابي حنيفة ومقابر الأولياء المتناثرة ومآذن الجوامع العتيقة، ولم يزل يحمل فوق مساحة الحزن التي تتيح له مشاهدة مايجري للعراقيين شموعاً لاتطفئها الرياح بكل الوانها، بالرغم من مرارة المنفى وغربة القبر وجراح البعد عن الوطن والأماكن التي يعشقها من القلب، وحرقة الروح التي لايعادلها سعير النار.
يقول البياتي : ((مهما طال حوار الأبعاد... فستبقى بغداد.. شمساً تتوهج.. نبعاً يتجدد.. ناراً أزلية.. رؤيا كونية لطفولة شاعر)).عشتار والنهار والمدن المسحورة وقباب الجوامع والازمنة المختلفة الحاضرة والغائبة المختلفة الأقدار، الثلج الذي يشبة قلوب أهل كوردستان، عائشة وهند والكلمات المقدسة، دجلة والفرات والوند والخابور والزاب والكحلاء والهرم والشيخوخة، الاصفاد والرموز والأحرف الملتوية، قوس قزح الارض والسماء، الاستشهاد والخلود، الغربة والوحشة، هالة النور والاختمار الروحي والحنين الذي يحز نياط القلب واختلاطات اخرى يطول عنها الحديث يكتبها لنا عبد الوهاب البياتي على ضوء القمر فوق ماء الأهوار التي نشف ريقها، و فوق ماء الفرات الذي عاد ازرق دافئاً، يزينها بالورد من فوق جبل كرد مند لتصل فوق مسامات هوائنا اللاهب الى أقصى الجنوب، ويقول لنا أن بغداد أغرودة المنتهى وعروس العصر الخالية. ولكنه يعتلي أسوارها في الليل لم يزل يرسل بشاراته في الغد الذي يصنعه الانسان تحت النجوم، والمكلل بالحب والخبز والأزهار، والمجد للعراق وأطفاله الذين يتبرعمون مثل ورد الليمون الأبيض الفواح، ويبدعون وسط خوفهم ومحنتهم ووسط كل زحام الحزن والألم والدم والموت والارهاب، ينتظرون الأمل الحلم وحلم آبائهم في وطن يرفل بالحرية وانسان مكلل بالسعادة والفرح وقمر يضيء في الليل عتمة الروح ووحشة الطريق. مسكون بأجنحة العصافير يكتب اشعاره فوق ريشها لعله يصل في الليل بغداد حين تنام الناس ويهدأ النهر وتتوقف التفجيرات في أحياء الفقراء، او لعل ريشها يتساقط فوق أرض الجنوب ورمال السلمان الناعمة التي حافظت بمروءة على جثث اهلنا، ولعل بعضها يضعها فوق موجات دجلة شموعاً طافية قبل أن يخترق جسد بغداد فتتحزم فيه عند الخاصرة. او لعلها تعتلي ناعور الماء عند ضفاف الفرات في حديثة أو عنة أو في الترع الصغيرة حين يتشظى الفرات قبل السماوة، او لعله يضع اشعاره فوق رؤوس النخيل قبل أن يطلع وتفوح رائحة الشعر منها، بل لعله يحمل روحه فوق أول موجة ماء حين يدخل الزاب مندفعاً. والنار التي تتوهج تضيء كلمات عبد الوهاب البياتي ويصنع منها مغازل لأيامه التي بقيت وروحه الهائمة فوق سماء بغداد، يرسل لرفاقه وأصحابه رسائله، ولعل من بينها رسالة الى ((علي السوداني)) يسأل فيها ((عن طيف)) وعن ((عمر)) والمجد للأطفال والزيتون. ولكنهما لم يعودا طفلين ايها الكلمة الساحرة والقمر البغدادي فقد كبرت المسافات وبعدت الأرواح. ويسأل البياتي عن موعد لقائه بالعراق فمن اجل عيون العراق كل غربته، ومن اجل عيون العراق كل وحدته، ومن اجل عيون العراق عذاباته، ويختزل حلمه في سماء العراق حيث تمتزج فيها الأقمار والهلاهل مع خيوط الشمس بالسحر، فيصير ليلها ليس كليل المدن وبقايا عواصم الدنيا، لكنه الحلم الذي لم يتحقق . وهو الذي يسمع البحر يتنهد والهواء يتبادل الغزل مع السماء عند ازرقاقها، وهو الذي استطاع ان يطوع العصافير لنقش كلماته فوق ريشها فيتميز ريشها عن كل عصافير الدنيا. لم يزل يهيم فوق سماء بغداد يوزع المحبة فوق بيوت العراقيين لم تردعه الغربة ولاوحشة القبر ولامسافة الطريق ففي بقايا روحه ثمة مطر وخير وعطاء. البياتي الذي يصنع فضاءه ويتنقل بانزلاق سهل نحو منارات بغداد وفوق جسورها سهران غير انه لم يرتبك ولاهده تعب الرحيل، ثمة شعراء يحلقون فوق بغداد ينثرون قلائدهم وقصائدهم فوق حشود اليتامى وقبور العراقيين في مقابرهم التي لم يكترث لها العالم، كافكا ورامبو ولوركا وبدر شاكر السياب، ثمة صهيل ليلي صوب الجواهري وبلند ومصطفى جمال الدين ومواكب من فرسان الكلمة .لم تعد ثمة قطعان تقطع ليل العراق، لم يعد الليل يوغل في الشوارع يقضم النهار، القطارات تصفر بفرح مثل الطيور، ووسط الجمع يقف البياتي رافعاً يده اليمنى وباليسرى قصيدته التي تقول نبوءته عن العراق. (( النابحون تمزقوا كضفادع النهر الصغير باعوا الضمير رقصوا على شتى الحبال صنعوا القباب من حبة... لكنها شمس العراق طلعت عليهم احرقت تلك الحبال..... فيا رياح هبي وياقلبي المعرى في الصقيع شد الجراح على الجراح ففي غد يأتي الربيع عبر المحطات الصغيرة والليالي والعذاب عبر الضباب)) كثر النباح على العراق يا ابا علي وشحذ العديد من الأعراب والأغراب سكاكينهم يريدون أن يذبحوا العراق من الوريد الى الوريد، ومن ثم يلتقطوا الصور التذكارية مبتهجين أحتفالاً بالدماء، وتقافزوا وتصايحوا وتناخوا لاتمام فعلتهم، ملطخة وجوههم بدماء أطفالنا ومتسخة أياديهم وقلوبهم بفعل الحرائق والقنابل المفخخة، نسجوا من لعابهم خيوطا لحجب شمس العراق لكنها طلعت عليهم وأذابت خيوطهم وخطوطهم وساحت اقنعة وجوههم رغم صراخهم كما تصرخ الحيات فحيحاً حين تنسحق الرؤوس، باطل ماصرخوا به من مزاعم، كل المزاعم واهية، وكل الادعاءات محترقة، سيشد العراق جراحه على الجراح وفي الغد يأتي الرب

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

موظفو التصنيع الحربي يتظاهرون للمطالبة بقطع أراض "معطلة" منذ 15 عاماً

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

مقالات ذات صلة

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و
غير مصنف

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

متابعة / المدىأكد الفنان السوري علي كريم، بأن انتقاداته لأداء باسم ياخور ومحمد حداقي ومحمد الأحمد، في مسلسلي ضيعة ضايعة والخربة، لا تنال من مكانتهم الإبداعية.  وقال كريم خلال لقاء مع رابعة الزيات في...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram