TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ناقِصو العقلِ والدِّين

ناقِصو العقلِ والدِّين

نشر في: 20 يونيو, 2016: 05:45 م

ناقصُ عقلٍ ودِين كلُّ مَنْ فكّرَ، فرداً أم جماعة، بتغيير اسم محافظة بابل ومدينة الحلة وإطلاق اسم الإمام الحسن بن علي عليهما السلام.. ناقص عقل ودين كلّ مَنْ عُرِضت عليه الفكرة وقَبِل بها أو استحسنها.. ناقص عقل ودين كلّ مَنْ تحمّس لها ودعا إلى تنظيم مؤتمر لهذا الغرض.. ناقص عقل ودين كلّ مَنْ أيّد عقد المؤتمر وساهم في تنظيمه، تمويلاً وترتيباً لوجستيّاً.
نعم، كلهم ناقصو عقل ودين، وسيكون ناقص عقل ودين كلّ مَنْ يفكّر بتغيير اسم محافظة نينوى ومدينة الموصل إلى "أبو بكر" ومحافظة الأنبار ومدينة الرمادي إلى عمر بن الخطاب، فصاحب العقل السليم والدين القويم لابدَّ من أن يُشير عليه عقله ودينه بخطل الفكرة وتهافت الأطروحة المؤسَّسة عليها الفكرة..
في بريطانيا، حيث عشتُ ردحاً غير قصير من الزمن، وجدتُ يوم أردتُ شراء بيت، في التسعينيات من القرن الماضي، بقرض عقاري أُسدّده شهرياً من حرّ مالي الذي أكسبه من عملي الصحفي المُضني، وليس بمال حرام مسروق من المال العام كما يفعل المئات من مسؤولي نظامنا الحالي وبخاصة قيادات وكوادر في الأحزاب الإسلامية، الشيعية والسنّية، وبعضهم كان يشاطرني حياة المنفى... هناك اكتشفتُ أن البيت المعروض للبيع كلما كان تاريخ بنائه أقدم كان أغلى ثمناً.. لماذا؟ لأنّ البيت القديم يكون قد دخل قائمة الأبنية التاريخية أو التراثية أو في سبيله إلى أن يكون كذلك، والناس هناك يقدّرون قيمة الأشياء العتيقة.. وعليه ولأنني لستُ من الميسورين تماماً فقد اشتريت بيتاً مبنيّاً في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي وليس في تاريخ أقدم، حيث كان سعره سيتضاعف لو عاد تاريخ بنائه إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى أو الى القرن التاسع عشر.
شعوب العالم كلّها تتفاخر في ما بينها على أساس ما بقيَ من أوابدها من معالم وصروح وأسماء لمدن وأمكنة. من هذه الشعوب الشعب الإيراني الذي لم يزل يحتفظ ويفتخر بآثاره القديمة وبأسماء مدنه الموغلة في القدم، ولم يحصل أن فقد أحد منهم عقله ودينه ليقترح أو يعمل على تغيير اسم واحدة منها إلى اسم لأحد الأئمة أو حتى لقائد الثورة الإيرانية الخميني
أصحاب فكرة تغيير اسم محافظة بابل ومدينة الحلة إلى اسم الإمام الحسن ناقصو عقل،لأنّهم لم يفكّروا بهذا.. وهم أيضاً ناقصو دِين لأنهم لم يفكّروا بأنّ الإمام الحسن، كما شقيقه الإمام الحسين ووالدهما الإمام عليّ وجدّهما النبي محمد، لم ينتقص من مكانته الأثيرة عند عموم المسلمين على مدى أربعة عشر قرناً أنّ اسمه لم تحمله مدينة أو قرية، وأنَّ إطلاق اسمه على أعظم المدن لن يزيد مثقال ذرّة من قيمته ومكانته. وهم ناقصو دِين لأنهم لم يفكّروا بأنَّ إطلاق اسم الإمام الحسن على بابل والحلة يمكن أن يكون مجلبةً للإساءة الى الإمام الحسن، وعلى سبيل المثال فإنَّ أحداً إذا أصبح في موقف يحتّم شتيمة الحلّة وأهلها فكيف ستكون صيغة الشتيمة؟.. وهم ناقصو دِين كذلك لأنهم لم يُشغلوا أنفسهم بأفكار فيها خدمة جليلة لسكّان محافظة بابل كبناء المستوصفات والمستشفيات والمدارس والمساكن، وسواها مما تمسُّ إليه حاجتهم، ويومها ليُسمّوها ما شاءتْ لهم التسميات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. Waleed H Alebrahemy

    حتى لو نجحوا بتغيير اسم بابل سوف تلاحقهم لعنة البابليين وتسقطهم في الجحيم .انهم يدفعون للتطرف وايقاظ فتنة جديده تفرح لها ولاية الفقيه ويدفع ثمنها ابرياء وفقراء العراق لمحرقة جديدة ..

  2. بغداد

    استاذ عدنان حسين هذولة المكاميع اللي يفكرون بهيجي طريقة غبية ان يغيروا اسم اقدم مدن التاريخ المشهور اسمها في العالم كله وكتبت عنها الالاف الكتب ووضعت من اثارها الثمينة في كل متاحف العالم الشهيرة في متحف لندن وباريس وألمانيا وحتى هنا في استراليا كل سنة يست

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

 علي حسين منذ ان ظهرت الديمقراطية التوافقية في بلاد الرافدين ،والمواطنونالعراقيون يبحثون عن مسؤول مختلف يمنحونه ثقتهم، وهم مطمئنون ، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين ومعهم المسؤولين يتعاملون مع المناصب على أنها...
علي حسين

قناطر: ليلُ العشَّار الطويل

طالب عبد العزيز يحلَّ الليلُ باكراً في أزقّة العشَّار، أزقته القصيرة والضيقة، التي تلتفُّ عليه من حدود شبه جزيرة الداكير الى ساحة أم البروم، يحدث ذلك منذ سنوات الحرب مع إيران، يوم كانت القذائفُ...
طالب عبد العزيز

محاسبة نتنياهو وغالانت أمام محكمة الجنايات الدولية اختبار لمصداقية المجتمع الدولي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

الاندماج في العراق؟

أحمد القاسمي عندما نسمع بمصطلح الاندماج يخطر بأذهاننا دمج الأجانب المقيمين في بلد ما. فاستخدام هذا المصطلح بات شائعا منذ بضعة عقود في الغرب ويُستخدَم غالبا عند الحديث عن جهود الدولة أو مؤسسات المجتمع...
أحمد القاسمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram