2-3
كل الصور القديمة للبصرة هي شاهدة على ما كانت عليه هذه المدينة الاسثتنائية في العراق: البيوت القديمة التي تُذكرنا بأسلوب البناء المعماري لتيار "الباوهاوس" المعروف والمشهور عالمياً بما جلبه من حداثة ومحافظة على القديم، سيارات حديثة تجوب شوارع مبلطة ومارة يسيرون على أرصفة نظيفة، أما الماء فيجري في القنوات والأنهر الصغيرة، في هذه المدينة التي كانت تُدعى ذات يوم "فينيسيا الشرق"، في ذلك الزمن الذي كان المرء يحار باللقب الذي يمنحها إليه، وهي المدينة الجديرة بكل الألقاب: بصرة الميناء والبحارة القادمين من كل العالم، بصرة رقص الهيوا والخشابة، بصرة الكورنيش بكل ما حواه من مطاعم وحانات، بصرة شارع الوطني بكل ما حواه من ملاهٍ وسينمات، بصرة النخل وشكرة تمور البصرة، بصرة محطة المعقل وماركيل والطويسة، بصرة جزيرة الداكير والخورة وجزيرة السندباد، بصرة سوق حنا المغايز وسوق حنا الشيخ وسوق الهنود، بصرة البهارات والجبّانة والزبيدي والصبور، بصرة شط العرب ونهر العشار، بصرة النخل والسمر والشعراء، بصرة صاحبتي الحانة الشهيرتين اللتين كان يزهو بهما من ضمن ما يزهو به، شارع الوطن، ماتيلدا التي قدمت من اليونان يوماً وصديقتها اللدوة ماري، البصرة صاحبة كل هذه الألقاب، هي اليوم في عام 2016 للأسف ليس غير صورة كاملة للانهيار والخراب في البلاد.
باستثناء التجول قليلاً على الكورنيش ليلاً وتناول العشاء على سطح إحدى السفن المطاعم الفارغة ورؤية الشباب البصري المصّر على السهر والحياة، رغم الممنوعات الرسمية التي تتكاثر في المدينة مثل نبات الفطر، أو لقاء الأصدقاء، نخلات البصرة الباقية رغم جور الزمن وعصف الأيام. بكلمة واحدة باستثناء ذلك ليس هناك ما يسر في البصرة. فكيف لا أشك في البداية بنجاح مشروع ورشة عمل كتابة من غير المهم أنني أنا من اقترح تسميتها "الكتابة من أجل الحياة" بديلاً للاقتراح الألماني الأول "الكتابة كعلاج نفسي"، ليس لأن النساء اللواتي سيتدربن لسن مريضات نفسيات، وليس لأن من سيدربهن أكثر صحة منهن، بل ظناً مني أنني بهذه الطريقة، أعيد على الأقل للمدينة ولنسائها ولو البعض من الحياة؟
وها هي المفاجأة تحدث، لا الحر (40 درجة مئوي) ولا الامتحانات المدرسية السنوية التي تقدمت هذا العام بسبب قرب شهر الصوم رمضان (8 يونيو/حزيران)، لا ضغط العائلة ولا الانشغال بالوظيفة، لا تحمل عناء الطريق وتكاليف التاكسيات، كلا لا هذا ولا ذاك منع العديد من النساء من ابداء الرغبة بالمشاركة بالورشة. لا المشرفتان على الورشة من منظمة البرلمان الألمانيتان، السيدة برجيت لاوباخ والآنسة آنا فلايشر، ولا أنا توقعنا أن يصلنا هذا الكم الكبير من طلبات الراغبات بالتدريب، ومن مختلف مدن العراق، علينا أن نختار منهن خمسا وعشرين مشاركة فقط، بحدود ما يسمح التمويل.
(الكتابة من أجل الحياة) هو عنوان ورشة كتابة النثر التي نظمتها جمعية البرلمان الألماني بدعم من وزارة الخارجية الالمانية والتي أدرتها في البصرة من 22 إلى 26 مايو/آيار وشاركت فيها قرابة 25 إمرأة عراقية أغلبهن من البصرة. نساء قادمات من شرائح مختلفة، بينهن: الطبيبة والمهندسة والمعلمة وربة البيت والطالبة والإعلامية الصغيرة والكبيرة. ولأن هذه الورشة هي جزء من ورشتين لكتابة النثر ستلحقان بها هذا العام (الاولى في أيلول والثانية في تشرين الثاني)، فقد أرتأيت ولكي لا يكون كثيراً على النساء، أن نبدأ بالتدريب على كتابة القصة القصيرة، لتلحق بها ورشة ثانية بالرواية وأخرى بكتابة المقالة.
يتبع
يُنشر المقال بالتزامن مع نشره في صحيفة فرانكفورتير الغماينة الالمانية
في مديح البصرة الجديرة بكل الألقاب
[post-views]
نشر في: 21 يونيو, 2016: 09:01 م