جُبل أغلب محرري الأقسام الرياضية في الصحف على تناول القضايا المثيرة ذات الأبعاد الواقعية بانتقاد المؤسسة الرياضية المعنية بأسلوب مباشر من دون مراوغة وخالٍ من التشهير أو الإساءة أو الاتهامات غير المستندة الى الأدلة والمصدر، تستقطب اهتمام وتفاعل الرأي العام بشكل واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليوم أو يومين ثم ما تلبث أن تتوارى القضية مع مثيلاتها بالعشرات خلف تجاهل أو تناسي أو إهمال المسؤول والجهة الرقابية التي تحكم السيطرة على حركة المال والأوامر الإدارية والتطبيقات القانونية.
تُرى ماذا تغيّر في تعاطي المؤسسات الرياضية اليوم مع أهمية ما يُنشر في الصحافة عن العهد السابق الذي لا نبغي المضاهاة به واقتباس طرائق تحليل المعلومة من قبل المسؤولين آنذاك لاتخاذ إجراء فوري بشأنها أو تشكيل لجنة تحقيقية تنظر في خيوط القضية وتُبلّغ الصحيفة بأن النتائج ستوضع أمامها قريباً، فتلك سلوكيات مهنية تحكمها الضمائر والنزاهة ولا علاقة لها بأنظمة تختلف خططها وسياساتها من زمن لآخر، لكننا نجد بوناً شاسعاً، بل في أحايينَ عدة نتصدى خلالها الى قضايا مهمة تنشد مصلحة عامة وتنذر بعواقب وخيمة ما لم تُعالج بحكمة نوقنُ أن المسؤول الرياضي سيُقابل ذلك ببرود وقلَّة وعي وسذاجة ليُهمش كل جهود الصحفيين ويعدُّها استهدافاً شخصياً له أو لجزءٍ من منظومته.
الأمر الصادم هنا، أن ذات المسؤول لا يكلف نفسه التقصّي عن اسباب اتهام مؤسسته بالتقصير، بل يترك لأحد موظفيه حرية التصرّف بالخروج في برنامج تلفازي ليس ليشدّ على يد الصحفي لما تناوله في الصحيفة، بل ليكيل إليه شتى انواع الاتهامات بأنه مُرتزق ومُبتز ومَصلحي ولن يتورَّع بتكذيب ما أورده في تقريره لا لشيء سوى الهروب من تبعات القضية، وللأسف وجد أمثال هذا الموظف غطاءً متراساً من إعلاميين فضحتهم حلقات برامجهم من خلال نوع اسئلتهم التي تُهيّأ كطوق نجاة للمسؤول أو مَن ينوب عنه لإظهار الصحفي في موقف ضعيف ولا تستحق صحيفته الرد لأنها مُغرضة، وبالعكس يتم استغلال البرنامج لتصفير كل السلبيات التي تحوم حول المؤسسة ويُختتم اللقاء بابتسامة عريضة لتأكيد الانتصار الزائف!
ثلاث عشرة سنة مرّت على تغيير العراق من حال الى حال كل ينظر لنفسه من زوايا عدة، تبدّلت نفوس كثيرين وصُيّرت كرقَّاص السَّاعة تذهب يميناً ويساراً وفق جاذبية المنفعة ولم تعد تُضبط بآلية صارمة، فالمشاكل تُعلن وتُدفن ولا تأثير اليوم لأي خطاب صحفي يكشف عن خلل ما في مؤسسة رياضية مهما كان تاريخ الصحفي أو مكانة صحيفته لدى القُراء وكأن تلك المؤسسات ترى في الأخبار والمقالات والتحقيقات التي تزعم بوجود خروق مالية أو غمط حق مدرب أو هدر مال في مشاركة خارجية عقيمة أو تزوير في وثائق لاعب ناشئ أو تقديم لوائح تُدين اتحاد ما بعدم شرعية ولايته ترى في كل ذلك أنها (كلام مُسفّط) لكاتب عرائض - كما سمّاها أحدهم - ليس بالضرورة يستحق هامش المسؤول وبالتالي تحفظ المادة في الأرشيف إن لم تُرمَ في سلة المهملات.
لا نُريد علاقات وردية بين الصحفيين والمؤسسات الرياضية بذريعة أن جزءاً من حقوقهم مرتبط بموافقة اللجنة الأولمبية الوطنية على منح نفقات إيفاداتهم لتغطية رحلات المنتخبات الوطنية ومشاركات البعثات المتواجدة في البطولات والدورات الخارجية وهي نفقات مخصصة من ميزانية الدولة ، أو بحجة أخرى مفادها اندماج الصحفي ضمن أسرة اتحاد لعبة ما يمنعه من تشخيص الأخطاء وليس هذا فحسب، بل بعض الزملاء يُمارس دور المحامي أكثر من بقية اعضاء الاتحاد نفسه لدرء أية تهمة تطال رئيس اتحاده أو يُفند تحليل ما يرد على لسان رياضي سابق يتمنى تصحيح مسار عمل الاتحاد ولا يستهدف شخصاً بعينه.
نُريد علاقات متوازنة تحكمها اتفاقات واضحة باحترام الرأي الصحفي وتطويع ملابسات أية قضية تكشفها الصحافة بنيات حسنة وإجراء التدقيق السريع للمعلومة وإنصاف صاحب الحق وتحويل المقترح الناجع الى مشروع عمل بالتنسيق مع جميع الأطراف لكسب الصحفي عنصراً لتقويم العمل بدلاً من تصوّر قلمه بأنه أداة خطيرة تهدد كرسي المسؤول الذي مهما حاول تثبيته فإن مصيره الإخلاء لا محال.
نأمل من الزملاء إيلاء هذا الموضوع ما يستحقه من وقفة مهنية وفي مقدمتهم الرائد الصحفي الدكتورهادي عبدالله الذي أعرب أثناء مهاتفتي له بالأمس عن تأييده لمقترح إقامة لقاء تشاوري بين ممثلي الصحف المتخصصة والأقسام الرياضية بعد عطلة عيد الفطر المبارك لبحث أسباب إغلاق ملفات رياضية عدة وتهميش مقترحات مهمة لتطوير العمل الرياضي تناولتها صحفهم وبعضها مُسند بتأييد خبراء في القانون ليخرج اللقاء بتوصيات مُلزمة لمن ينشد شراكة الصحافة مع الرياضة لتحقيق الهدف وليست بُدعة لذرِّ الرماد.
شراكة الصحافة.. بدعـة!
[post-views]
نشر في: 21 يونيو, 2016: 03:17 م