لا أعرف ما إذا كان من حقِّ أحدنا أنْ يعبّر عن يأسه، او يبثَّ قنوطه وبرمه من كل ما حوله، على صفحته هذه، ام لا ؟ ذلك لأنَّ نوافذ السرور وشرفات البهجة راحت تعتم وتنغلق بوجوهنا، نحن العراقيين، ساعة إثر ساعة ولحظة بعد أخرى، حتى أننا وجدنا، ومن بيننا، من يريد أن يبدد علينا لحظة انتصارنا على داعش في الفلوجة، لكنني، والحق يقال وجدتُ اكثرنا بهجة وسعادة هم الطائفيون، أولئك الذي راحوا يجيّرون النصر لصالح طائفتهم، ضاربين عرض الحائط ببهجتنا المشتركة.
أقول هذه، وأنا أقرأ نعي أحد الشبان المسيحيين في البصرة، الذي استشهد في الفلوجة هذا الذي نزح الى البصرة من الموصل بعد غزو داعش لها. ترى بأي حق يصادر هؤلاء ضمير الرجل المسيحي- العراقي، وبأي حق يقتصون من فرحي، أنا الذي بلا طائفة، ولماذا يقزّم قاصرو الوطنية مشاعرنا في الفرح والسعادة ؟ يغيرون أسماء الشوارع والضواحي والمباني الرسمية على وفق ما يعتقدون، ثم يضيقون علينا ما تبقى من فسحة الحرية الشخصية، فيهدمون مسارحنا ويغلقون قاعات السينما عندنا، يوسّخون الاسواق والشوارع والارصفة بأصوات باعة بضائعهم القبيحة، عنفا وبطشا وفوضى. ما الذي سنفعله، وإلى أين سنذهب، نحن الذين لا نملك وطنا غير العراق وقد ولد آباؤنا واجدادنا على ترابه وبين أنهاره منذ آلاف السنين ؟
لا، لم تكن قضية تغيير اسم مدينة الحلة (بابل) قضية عابرة، هي وخزة قبح في الضمير العراقي الوطني، وهي محاولة تذكرنا بمحاولات النظام السابق، في تغيير اسماء الشوارع والضواحي. وإذا كانت مشكلة صدام حسين مع الرموز العراقية قائمة لمصالح قومية، فمشكلة الحكومة اليوم قائمة بذات المعنى، مع الرموز العراقية أيضاً، لكن لمصالح طائفية، هنالك استبعاد مقصود للمشاعر الوطنية . نتذكر أن البعض من البعثيين أشار على صدام حسين، ذات يوم، بأستبدل اسم إحدى الفرق الحزبية في البصرة إلى اسم فرقة المهلب ابن ابي صفرة، بعد أن كانت على اسم غيره، إدعى هؤلاء بانه فارسي الاصل، وكذلك فعل مع شارع ابي نؤاس لأنه فارسي. هل بيننا من يعتقد بان اهمال شارع الرشيد إنما هو عفو الخاطر؟
ترد مفردة قرية، في كل سجلات دائرة الطابو بأبي الخصيب، في البصرة. القرى هذه التي كانت قائمة منذ أن خلق الله الارض واستعبدها. وهي معلومة للناس أجمعين منذ العهد العثماني حتى تأسيس الدولة العراقية، اليوم أقرأ مفردة مقاطعة حمدان، مهيجران، عويسيان، ابو مغيرة، نهر خور... يا ناس هذه قرى وليست مقاطعات، قرى زراعية، يزرع الناس فيها النخل والفاكهة والخضار منذ قيامة الارض، وهي شبكة انهار وجداول لا تحد ببصر، والناس فيها معلومون بطوائفهم والأسر العريقة التي انحدروا منها، فلماذا تستبدلون تواريخهم وأمكنتهم وأسماءهم على غير ما يشتهون، ثم من أنتم حتى تحددون هذه وتلك لهم؟
أدخل مبنى الحكومة المحلية وألتقي بهذا وذاك من أعضاء المجلس فلا أجد بينهم من يستحق ثمن الكرسي الذي يجلس عليه، اللهم إلا الندرة منهم، فقد اختفت صورة البصري الأصيل، تجلس عنده فلا تسمع من حديثه إلا ما يغيضك، وتنظر في طلعته فلا تجد فيها الا الطرد والنفي واليأس، تسأل مسألتك التي جئت من أجلها فيقولون لك: هي عند السيد فلان وهي بيد الحجي فلان، وهي على مكتب الشيخ، او العلوية أو الحجية. اتقوا الله في البصرة، اتقوا الله في المدينة العظيمة التي لم تتشرف بكم يوماً، غيرتم صورتها ونهبتم أموالها ومسخت مكانتها في التواريخ وبين المدن، ثم أتيتم على سعادتنا بخلاصنا من داعش تنسبونه لكم. لكن، استبقوا الخطى وعجّلوا الى كل رخيصة، فوالذي بيده ملكوت كل شيء، لن تفلحوا. ما بيننا وبينكم سوى الدهر. اما نحن او أنتم.
سارقو المباهج، مزيّفو السعادات
[post-views]
نشر في: 21 يونيو, 2016: 09:01 م