TOP

جريدة المدى > سينما > الفيلم الإيراني "يحيى لم يسكت".. استنباط الواقع من متخيل درامي

الفيلم الإيراني "يحيى لم يسكت".. استنباط الواقع من متخيل درامي

نشر في: 23 يونيو, 2016: 12:01 ص

استطاعت الممثلة " فاطمة معتمدآريا" محاكاة  المشاهد بجدية تعبيرية لها طبيعتها الخام في الاداء المتين عبر تقمصها او منحها الشخصية روحية تمثيلية لها مقامها الخاص . دون ان نبتعد عن دور الاخراج في الاعتماد على البساطة الواقعية في الايحاء التصويري،&nb

استطاعت الممثلة " فاطمة معتمدآريا" محاكاة  المشاهد بجدية تعبيرية لها طبيعتها الخام في الاداء المتين عبر تقمصها او منحها الشخصية روحية تمثيلية لها مقامها الخاص . دون ان نبتعد عن دور الاخراج في الاعتماد على البساطة الواقعية في الايحاء التصويري،  المساعد في تكوين رمزيات لها فعالية الأحياء الذين تستخرجهم من الأرحام، وتخفيهم في أرحام الارض او في رحم مكان ما احس به الطفل ابن اخيها الذي بقي عندها لأسباب ما.  الا ان ذلك منح المشاهد  فكرة قوية في تعاطيها مع ما هو مقبول او مرفوض او حتى ممنوع دينيا واجتماعيا .

ان الاطفال الذين لا نستطيع الاعتناء بهم او التفرغ لتربيتهم لا يمكن انجابهم لمجرد الانجاب واكثار الذرية البشرية التي لا تهتم الا لاجتماعيات ومفاهيم بشرية لا تنتمي للانسانية.  وما يتقبله الانسان الناضج قد لا يتقبله الطفل نفسه الذي تعرض الى وجود ضمن دائرة حياتية لا يفهمها . انما تثير فقط ذهنية غريبة في تعاطيها مع الأمور الإنجابية .  استفزتها عمته من خلال عمليات الاجهاض التي تجريها  تحت ضغوطات كثيرة مختلفة في نوعياتها،  ولكن هل استطاع المخرج الاكتفاء بالمكان الواحد في زمنية لم يشعر بها المشاهد للحركة الصامتة،  وللرمزيات التي اغرق بها المشاهد التصويرية.  ليستفز بها الأحاسيس كي يستخرج النص باشكال مختلفة.  تبعا لمفاهيم من يرفض ذلك ومن يوافق او من يتذبذب في مواقفه ، كما تذبذب الطفل في البداية ، ليتخذ قراره الاخير نهاية الفيلم بعد موت السيدة التي ارادت الاجهاض بسبب الفقر وسوء الأوضاع الاجتماعية او لمفاهيم اخرى غابت بشكلها المباشر. انما استخرجها المشاهد تبعا لفكره واتجاهاته .
لم تكن الموسيقى التصويرية متوازية مع مدة الحوارات الصامته منها والحركية بما يكفي، لأن المخرج اعتمد على الصورة تقنيا بشكل كبير،  لتكون بمثابة تعبيرات تصويرية تختزن تمثيليا ما اختزنه الممثلة " فاطمة معتمد آريا" في توازنات اعتمدت على التمثيل والتصوير وقوة الاخراج الايحائي والرمزي ، بابعاد المشاهد الموسيقية رغم جمال الموسيقى التصويرية بمدتها غير الكافية في اكمال حلقة الفيلم الاخراجية التي استمتع بها المشاهد،  لما تحمله من استفزازت حسية،  ومن محاكاة للنص بمختلف تجسيداته التقنية ،  وانما لم تفقد المشاهد التمثيلية منها والتصويرية تكنيك الاخراج الحاذق الذي اعتمده المخرج "كاوة ابراهيم بور" مسلطا  العدسة على الطفل الذي استطاع باحاسيسه الواعية خلق اضافة جمالية للاخراج الذي ترك العدسة التصويرية مع الطفل بموازاة وتناظر امسكا بالمشاهد حتى اللحظة الاخيرة،  والقدرة الاخراجية في استخراج التعابير من حركة الممثل وحركة الكاميرا والرمزيات الاخرى .  
تقاطع في الصور ومعانيها متنقلا بين الفعل والفعل،  وكأنه ترك للكاميرا التقاط الواقع عبر التخييل الحر،  والعفوي مانحا المشهد فطرة الاخراج الديناميكي والمعاصر الذي استطاع تحقيق قفزة جمالية في الافلام التي تعالج عدة مواضيع ربما!  محظورة في الكشف عنها وربما!  هي للتوعية لتكون من الافلام الهادفة،  وبلغة سينمائية جل اهتمامها اظهار القدرة السينمائية في معالجة المواضيع الاجتماعية العالقة بين مفاهيم الحلال والحرام،  والمرغوب والممنوع،  والمعادلة الكبرى هي استنباط الواقع من متخيل درامي له توجيهاته في تحقيق الهدف،  وهذا ما نجح به المخرج" كاوة ابراهيم بور" ليصرخ اجتماعيا ضد عمليات الاجهاض السرية التي تجري بشكل بدائي بين جدران المنازل في الاحياء القديمة التي تشبه القبور او غيرها.
تم التركيز على الصورة بشكل كبير مع استخراج المعنى ، لان فكرة الفيلم هي خسارة كل شيء في الحياة مهما حاولنا الحفاظ عليه،  لأن المرأة التي شجعت الناس على عدم الانجاب.  انما تأثرت بما عاشته من مخاضات مختلفة،  والام البيولوجية هي الام القادرة على العطاء،  والقادرة على الاحتفاظ بما منحته الأرحام لها بغض النظر عن التكوين الأمومي داخل الرحم او خارجه،  لأن الأمومة فعل مقدس للتوازن الحياتي والابقاء على التواصل الفعال بين الولد ومن اراد انجابه،  فهل اختزال  المشاهد الخارجية هو للابقاء على الداخل الذي يشبه رحم الحياة؟.
فيلم فلسفي انساني في واقعيته الرمزية التي مزجت بين الصمت والحركة،  والصورة ومعانيها الايحائية التي تؤثر على مخيلة المشاهد،  لتبعد الضجر عن معايير فيلم تناول موضوع الاجهاض بأبعاده المخبوءة،  والغامضة ضمن ظروف تنشأ في مجتمع سخر له المخرج "كاوة ابراهيم بور" كاميرته والفن السينمائي المعالج،  والهادف بجرأته ومسحته الاجتماعية ذات الجمال المرئي دون ديكورات كبيرة او مكلفة . انما ببساطة منزل جمع فيه الخيوط التصويرية والتمثيلية مع الحي او الشارع الموجود فيه والبيئة الطفولية ذات اللغة المقاومة لبناء المجتمعات في اشارة لدور الطفل في بناء المجتمعات السليمة واحترام رؤيته البناءة مهما كانت تطلعاتها.  ان كانت ضمن النقد البناء او تسجيل اعتراض ما ،  دون الإفلات بالمعنى الاخراجي واهميته في العناية بالموضوع من كافة تفاصيله،  وبأقل تكاليف ليكون قريبا من الواقع او قطعة من الواقع بكل حذافيره التمثيلية والاخراجية،  ليشعر المتفرج انه ضمن الفيلم وداخل الموضوع بانتقاد مرئي محبب سينمائيا الى النفس.
يذكر ان الفيلم السينمائي الايراني «يحيى لم يسكت» (يحيى سكوت نكرد) للمخرج السينمائي كاوة ابراهيم بور،  قد فاز بجائزة افضل فيلم في مهرجان "تريبولي"  طرابلس في لبنان الذي بدأت فعالياته في العاصمة بيروت في 20 نيسان وانتهت يوم الخميس 28 نيسان 2016.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

"إرنست كول، المصور الفوتوغرافي".. فيلم عن المصور المنفي الجنوب أفريقي

مقالات ذات صلة

فيلم أسامة محمد
سينما

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

علي بدرالحكاية تُروى بالضوء والظلعرض أمس في صالون دمشق السينمائي فيلم "نجوم النهار" للمخرج السوري أسامة محمد، بحضوره الشخصي بعد غيابه عن بلاده ١٤ عاما، الفيلم الذي منع من العرض في زمن النظام السابق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram