بقليل جداً من الحذر، يمكن القول إن أغلبية بسيطة من الناخبين البريطانيين ستصوّت لصالح بقاء بلادهم ضمن الاتحاد الأوروبي، في الاستفتاء المقرّر إجراؤه اليوم الخميس. لكن نتيجة كهذه لن تعني إسدال الستار على قضية العلاقة بين الطرفين، فالحكومة البريطانية سيتعيّن عليها الضغط لاحقاً على إدارة الاتحاد لإحداث إصلاحات فيه يريدها السياسيون البريطانيون من الطرفين كلاهما.
مردّ الحذر هنا إلى واقع أن هذه القضية هي محلّ خلاف وانقسام شديدين في بريطانيا، ليس فقط في ما بين الأحزاب الحاكمة ونظيرتها المعارضة، وإنما أيضاً بين قيادات وأعضاء الأحزاب نفسها، حاكمة أو معارضة. وعلى سبيل المثال، بينما رئيس الوزارء ديفيد كاميرون يؤيد البقاء في الاتحاد، وكذا وزيرة الداخلية تيريزا ماي، فإن وزير العدل مايكل غوف يدعم الحملة الداعية الى الخروج.
أمّا مردّ التوقّع بتمسّك البريطانيين بالخيار الاتحادي فإلى اتجاهات الصحافة البريطانية، وبخاصة صحف الأحد التي تحقق إقبالاً من القرّاء أكثر من الأعداد الصادرة في الايام الأخرى. والأحد الفائت عسكت الصحف الرئيسة اتجاهاً عاماً مؤيداً للبقاء في صفوف الاتحاد.
صحيفة "ديلي ميل" المحافظة، وهي من الصحف الشعبية واسعة الانتشار خصّصت صفحتين لمقالتها الافتتاحية التي جاءت بعنوان: "من أجل بريطانيا أكثر أماناً وحريّة وازدهاراً وحتى عظمةً، نحثّ على التصويت للبقاء" (في الاتحاد الأوروبي)، ومثلها فعلت صحيفة "أوبزرفر" (أسبوعية الغارديان) اليسارية المعتدلة التي عنوت افتتاحيّتها بالآتي: "من أجل بريطانيا دولة عالمية وليبرالية ومنفتحة نحتاج الى أن نبقى جزءاً من الاتحاد الأوروبي".
بخلافهما جاء موقف صحيفتي "صنداي تايمز" المحافظة التي عنونت افتتاحيتها بـ: "إنها فرصة بريطانيا لتحقيق صفقة جديدة مع أوروبا"، وصحيفة "صنداي تليغراف" المحافظة أيضاً التي رأت أنه "علينا أن نصوّت بترك الاتحاد لجعل بريطانيا متوافقة مع المستقبل".
البريطانيون المؤيدون للبقاء في الاتحاد الأوروبي سيُودعون آراءهم في صناديق الاقتراع من دون ضجيج، وكذا سيفعل المعارضون.. كلّ منهم سيمرّ بالمركز الانتخابي وهو في طريقه إلى العمل أو في فترة استراحة الظهيرة أو عند نهاية الدوام. وفي المساء سيلتقي الكثير من المؤيدين والمعارضين في الحانات والمقاهي والمطاعم ليواصلوا حياتهم المعتادة من دون أن يُفسد اختلاف الرأي بشأن العلاقة مع الاتحاد الأوروبي للودّ في ما بينهم قضية، فليس ثمة حضور لطائفة أو مذهب أو دين أو قومية أو منطقة أو لون بشرة في هذا الخصوص. وفي اليوم التالي، سواء قرّرت الأغلبية الانفصال عن الاتحاد الأوروبي أو البقاء فيه، ستمضي الحياة على النمط الذي كانت عليه قبلاً، بالضبط مثلما حصل منذ أقلّ من سنتين عندما اقترع 55 بالمئة من الأسكتلانديين لصالح البقاء موحّدين مع الإنكليز والويلزيين والآيرلنديين الشماليين في إطار المملكة المتحدة، فلم يتعارك اثنان من المؤيدين والمعارضين او يتشاتما أو يُخوِّن بعضهما البعض.
هي المدنيّة، بطبيعة الحال، التي يكرهها أصحاب الإسلام السياسيّ كما لا يكرهون أيّ شيء آخر.
مَدَنِيَّة
[post-views]
نشر في: 22 يونيو, 2016: 06:20 م