أعود إلى رخمانينوف وأعماله مراراَ، فهو من بين ألمع الموسيقيين في القرن العشرين. فقد كتبت منذ مدة عن كونشرتو البيانو رقم 2 الرائعة وقبل نحو شهرين عن رقصاته السيمفونية، أما اليوم فأود الحديث عن تسابيحه الليلية (عمل رقم 37 ألفه سنة 1915). يعد النقاد هذ
أعود إلى رخمانينوف وأعماله مراراَ، فهو من بين ألمع الموسيقيين في القرن العشرين. فقد كتبت منذ مدة عن كونشرتو البيانو رقم 2 الرائعة وقبل نحو شهرين عن رقصاته السيمفونية، أما اليوم فأود الحديث عن تسابيحه الليلية (عمل رقم 37 ألفه سنة 1915). يعد النقاد هذ العمل أحد أفضل أعمال سرغي رخمانينوف، وأحد أهم الجواهر الموسيقية في الكنيسة الارثوذكسية الروسية. وهو عمل ديني غنائي للكورس دون مصاحبة موسيقية، موضوعه الطقس الكنسي الارثوذكسي الروسي للصلوات الليلية.
ألف رخمانينوف هذا العمل الرائع خلال اسبوعين في كانون الثاني - شباط 1915، ويتألف من 15 قطعة، منها 10 كتبت على أساس التراتيل الشرقية والخمسة الباقية من تأليفه، لكورس من أربعة أصوات، لكن التوزيع الهارموني متنوع، فهناك أجزاء يستعمل فيها ثلاثة أو خمسة أو سبعة أصوات، وحتى استعمل هارموني من أحد عشر جزءاً (في نقطة معينة من القطعة السابعة). وسبق لرخمانينوف تأليف عمل آخر للكورس دون مصاحبة موسيقية سنة 1910، هو الطقس الكنسي حسب مار يوحنا، لكن الكنيسة الباروسلافية عارضته ولم تعتمده في طقوسها بسبب طبيعته التجديدية و"روح الحداثة" الغالبة عليه، وبالتالي ذهب هذا العمل طي النسيان.
هذا العمل يأخذنا إلى عالم الأصوات النقي والتراتيل الكنسية القديمة التي تطورت بفضل صقلها على مر قرون طويلة منذ العصور الوسيطة، فأنتجت لنا الأناشيد الغريغوريانية (نسبة إلى البابا غريغوري الثاني 669 – 731) والموزارابية (الأناشيد التي استعملها المسيحيون الاسبان تحت الحكم الاسلامي في الأندلس) والاناشيد البيزنطية والشرقية التي تؤدى حسب المقامات الموسيقية، وهذه كلها كانت مونوفونية (بصوت أحادي)، ومن ثم الأناشيد التي استعملت التآلف الصوتي (أي أكثر من صوت غنائي) لنصل إلى الطقس الكنسي البروتستانتي (الكورالات اللوثرية) والانغليكاني وغيره.