TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الحياة ونظرية الألعاب

الحياة ونظرية الألعاب

نشر في: 25 يونيو, 2016: 09:01 م

القسم الثاني
يرى فون نيومان في كتابه المثير بشأن نظرية الألعاب أن السلوك البشري يمكن توصيفه بشكل عام على أساسٍ من نماذج رياضياتية اعتماداً على الأهداف المرتجاة وطريقة التخطيط الستراتيجي للادوار  والأهداف المتحصلة من السلوكيات التي ندعوها " ألعاباً ". ومن بين تصنيفات فون نيومان للألعاب ذلك التصنيف المسمى ( لعبة صفرية النتائجZero Sum Game  ) وهي ما يهمنا في موضوعتنا هنا.
يمكن أن توصف اللعبة الصفرية النتائج بعبارات غاية في البساطة : أن يلعب المتبارون في مباراة ما "بصرف النظر عن طبيعة ميدان المباراة" وهم يضعون في حسابهم أن ما يترتب عليه ربح لأحد الأطراف تقابله بالضرورة المحتمة خسارة لطرف واحد أو أكثر من الأطراف الأخرى - تلك هي اللعبة الصفرية النتائج في أجلى تمظهراتها وأكثرها وضوحاً .
إن  أكثر ما يسم حياتنا الحاضرة -السياسية والاجتماعية -  سوءاً وفساداً على مستوى بلداننا والعالم بأجمعه هو النظر إلى الحياة البشرية من منظار تنافسي محض  :  وتلك صورة دراماتيكية نعيشها ولامبالغة فيها ، ولأورد مثالا عن السوق العالمية وأسس الإقتصاد العالمي التي كانت تعدُّ إلى وقت قريب مستقرة في مفاهيمها التأسيسية؛ فإذا بها تتهاوى ويكتشف المعنيون أن مواضعاتهم الراسخة عن السوق الحرة والمنافسة الكاملة والمشتقات المالية و " اليد الخفية "التي تختص بتعديل الاختلالات الهيكلية الحاصلة في أداء الاسواق  ماهي إلا باطل وقبض ريح مثلما اكتشفوا خلال الأزمات المالية الضاربة قبلاً أن مفاهيم مستقرة كالأسواق العقارية و البورصات والقروض بشتى أنواعها هي لعب مصممة ببراعة و دهاء لخدمة أناس وجهات معينة .
إنّ أناساً يزعمون أنهم بضمائر حيّة ونزاهة لم تلوثها المطامع  بوسعهم أن يتحسسوا مواطن الظلم والجور في النظام الاقتصادي العالمي الذي يسعى إلى مركزة المال والسلطة وتركيز السطوة حتى لو استدعى الامر استخدام قوة عسكرية  تحت مسميات شتى  صارت تشكل نوعاً من الآيديولوجيا العالمية المقيتة  التي يمكن أن يطلق عليها 🙁 الكهنوت الجديد The New Priesthood ) وهو في حقيقة الأمر نوع من أصولية سياسية - اقتصادية - أيديولوجية مركّبة ترى الحياة مجرد منافسة ومغالبة مثلما تتقاتل الكواسر على جثث منتنة ويحاول أدعياء الكهنوت الجديد تلطيف الأمر فيصفون الحياة  والمغانم السياسية والاقتصادية : بأنها كعكة !!،  ويصبح القانون الحاكم والمعترف به عمليا - في عرف هؤلاء على مستوى الدول و الأفراد هو : احصل على نصيبك  قبل أن يتخاطفه  آخرون ؛ فما فاتكَ  لا يُعَوّض .  
نتساءل هنا :  هل تطيب الحياة وترقى في تمظهراتها الثقافية والأخلاقية في أوساط محكومة بلعبة مثل هذه وبوجود كائنات طفيلية تعيش بجهاز هضمي وجهاز غرائزي وتفتقر إلى منظومة قيمية ترى تجليات الجمال والنور في العطاء لا في التكالب والمغالبة ؟ أقول بثقة روحانية وفكرية : لا تطيب الحياة وسط أجواء مسمومة كهذه بل تنحدر إلى قعر مستنقع عفن أشبه بثقب أسود هائل لا فرار من أسره القاتل عندما يتمركز الفرد على أنويّة غبية قاتلة للروح ومُطفِئة لتوهج الرغبات المتسامية في الفضاءات الانسانية الراقية   حيث مستوطنات الضياء والنشوة التي لا حدود مادية لها ؛ فيخسر الفرد نفسه بعد أن تنوء الأرض بخساراتها الهائلة هي الأخرى عندما يولّد الجشع جشعاً أكبر من سابقه وعلى نحو يبدو  أنه لامنجاة من هذا المستنقع المميت.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

 علي حسين كان العراقي عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق.. كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة، حارساً لمصالح البلاد، وحين...
علي حسين

قناطر: بغداد؛ اشراقةُ كلِّ دجلةٍ وشمس

طالب عبد العزيز ما الذي نريده في بغداد؟ وما الذي نكرهه فيها؟ نحن القادمين اليها من الجنوب، لا نشبه أهلها إنما نشبه العرب المغرمين بها، لأنَّ بغداد لا تُكره، إذْ كلُّ ما فيها جميل...
طالب عبد العزيز

صوت العراق الخافت… أزمة دبلوماسية أم أزمة دولة؟

حسن الجنابي حصل انحسار وضعف في مؤسسات الدولة العراقية منذ التسعينات. وانكمشت مكانة العراق الدولية وتراجعت قدراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وانتهى الأمر بالاحتلال العسكري. اندفعت دول الإقليم لملء الفراغ في كواليس السياسة الدولية في...
حسن الجنابي

إدارة الاقتصاد العراقي: الحاجة الملحة لحكومة اقتصادية متخصصة

د. سهام يوسف بعد مصادقة المحكمة الأتحادية على نتائج الانتخابات الأخيرة، يقف العراق على أعتاب تشكيل حكومة جديدة. هذه الحكومة ستكون اختبارًا حقيقيًا لإصلاح الاقتصاد العراقي المتعثر، حيث تتوقف عليه قدرة البلاد على مواجهة...
سهام يوسف علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram