ليس غريباً دخول الرياضة على خط التقشّف ضمن سياسة مجلس الوزراء التتابعية مع جميع قطاعات الدولة العراقية ذات الإنفاق الكبير التي تحتاج الى إعادة النظر في أبواب صرفها عدداً ونوعاً من أجل أن تتماشى مع خطة العام الحالي والسنين المقبلة، وأن تتدبّر الوزارة أو المؤسسة المعنية جدولة ميزانيتها وتقليص الصرفيات غير المؤثرة على ورقة العمل السنوية لضمان استمرارية تنفيذ المشاريع والمحافظة على الحد المناسب لمدخولات العاملين سواء ممن يتقاضون راتباً أم أجراً لقاء الأعمال الموكلة إليهم.
وفي الوقت الذي نستشعر بحرص مجلس الوزراء على ظهور المنشآت الرياضية خاصة في الأندية بما يجعلها مهيئة لخدمة الرياضيين ولجميع الألعاب، استهدف قراره الأخير إنقاذ البُنى التحتية للرياضة بدءاً من الأندية التي تعد مركزاً لصناعة الأبطال ونقطة انطلاقهم الى المنتخبات لتمثيل العراق بصورة مشرّفة، فأعطى الأولوية لإعادة النظر بالأندية وبذل الجهود الكبيرة لانتشالها من الإهمال والتصدّع، وهناك عدد كبير من ملاعبها لم تُنجز ويُنظر لها هياكل تترقب المعونة لإكمالها كما هو حال الزوراء النادي العريق الذي لم يُنجز منه سوى 35 بالمئة، وملاعب آخرى لم تعد صالحة لاستقبال الجمهور، ويُخشى أن تسبب كارثة بشرية لا ينفع ندم المسؤولين عنها بإعفائهم من التقصير واقتيادهم الى المحاكم لينالوا الجزاء العادل.
لهذا فإن سعي وزارة الشباب للقاء الأندية بهدف تفعيل قرار مجلس الوزراء للنهوض بواقعها أمر جيد يصب في مستقبلها ويؤمّن مقرّات تُليق بإداراتها وملاعبها ومرافقها المهمة، لكن أن يُقدِم الوزير عبدالحسين عبطان على فتح ملف عقود اللاعبين والمدربين ويقترح مبلغ لا يتجاوز 60 مليون دينار كحد أعلى للتعاقد معهم، فذلك سيولّد إشكالية كبيرة تتعارض مع وضعية الأنظمة واللوائح الخاصة باتحاد كرة القدم والمصادق عليها من الاتحاد الدولي لكرة القدم وربما تعرّض اللعبة الى الإيقاف لاسيما أن إقحام موضوع التقشّف الذي تُعاني منه البلاد في مسائل فنية ومالية سيُنسِف كرتنا ويعود بالضرر على مستوى ونتائج الأندية في المسابقة الأولى "الدوري الممتاز" ويُعد هذا تدخلاً واضحاً لن يتوانى فيفا في التحذير من تبعاته ما لم تتوقف جميع الإجراءات المُسببة للضرر، ولنا في تجميد الكرة الكويتية وتحذير نظيرتها المصرية خير دليل على اهتمام فيفا بضرورة فصل توجهات الحكومات وسياساتها عن شؤون الاتحادات الأهلية الكروية والأندية.
بإمكان الوزير عبطان تطويع القرار الحكومي بصيغة تفاهمية وتنسيقية مع الجهتين المعنيتين اتحاد كرة القدم والأندية تحت مظلة لجنة الشباب والرياضة النيابية التي تدرس حالياً مسودة قانون الاحتراف مع اللجنة القانونية في مجلس النواب قبيل تشريعه في الفصل المقبل من العام الحالي، وأمر طبيعي أن يتعارض توجيه الوزير بتحديد السقف الأعلى للعقود بـ60 مليون دينار مع مضامين تلك المسودة، هذا من جانب، ونرى ضرورة عدم التماس الحكومي لفرض اجراءات تقشفية خاصة مع الأندية نفسها من جانب آخر، بل تحييد الأمر تماماً من خلال خطاباتها المباشرة مع الوزارات المشرفة والراعية للأندية مالياً ليتسنى للأخيرة إبداء ملاحظاتها وفق ظروف التعاقدات السائدة في دوريات المنطقة ومحاولة إيجاد حلول حاسمة لأقيام عقود لاعبي (السوبر) من خارج العراق والمحدد عددهم بلاعبين فقط حسب لائحة الاتحاد، وكذلك المنضوين إلى المنتخب الوطني الذين غالباً ما يتقاضون مبالغَ تفوق 400 مليون دينار، وبعكس ذلك لا مفرّ من الإقرار بعودة الكرة العراقية الى حاضنة الهواية يوم كان كبار لاعبي الأندية الجماهيرية يتقاضون مرتبات ضئيلة لا تُغطي نفقات تجهيزاتهم!
لا يخلو قرار مجلس الوزراء من إلتفاتة مهمة بخصوص اخضاع عقود اللاعبين للشفافية والرقابة، فالحكايات في هذه الجزئية تُدمي القلب وتدعو للأسى في ظل ما يجري من صفقات مشبوهة تحت طاولات بعض الإدارات ، وانتزاع نسبٍ من العقود وحرمان أو إقتطاع جزءٍ منها برسم عقوبات اجتهادية ، وغيرها من السلوكيات المُشينة التي تفنن البعض في أكل الحقوق المحفوظة بالمواثيق، الأمر الذي يُحتّم وضع اليــد عليها من مرجعيات الأندية قبل إبرامها.
نقترح أن يكون مؤتمر الاندية برعاية اتحاد الكرة للتداول بشأن ترجمة توجيه مجلس الوزراء الى توصيات نافذة تحظى باتفاق جميع ممثلي الأندية عليها ويُضيّف الوزير عبطان للتلاقح مع أفكار وزارته ليكون لقاءً منتجاً بإجراءات عملية وليس نقاشاً فضفاضاً، لاسيما أن ملف عقود اللاعبين والمدربين إذا ما أُقرّ بالمبلغ المقترح يقيناً ستشهد كرتنا هجرة كبيرة لأبرز اللاعبين ولا قيمة لمشروع الاحتراف بعد ذلك ولا حتى لتصريح رئيس اتحاد كرة القدم عبدالخالق مسعود بالمباشرة في إطلاق دوري المحترفين موسم 2018-2019 مثلما حدَّد الاتحاد الآسيوي للعبة مهلته لجميع الاتحادات لمواكبة نظام مسابقاته الاحترافية التي تأخرنا كثيراً عن اللحاق بها بسبب غياب العقول المحترفة وإستمراء الحكومة في عملية شراء اللاعبين وبيعهم من خزينة الدولة.
التقشُّف ينسف كرتنا
[post-views]
نشر في: 25 يونيو, 2016: 05:45 م