عبد الكريم العامري باحث اجتماعييشيع مصطلح التغريب بين أنصار التبني الكامل للنموذج الحضاري الغربي، ودعاة الرفض الكامل لهذا النموذج، القائلون بالتوسط بين هذين المذهبين.جاء الغرب الى بلادنا في غزوته الصليبية في العصور الوسطى، كان مجرداً من الفكر والحضارة، ليس لديه ما يغري العباد و البلاد التي سيطر عليها فرسانه الصليبيون، سوى أفضلية القتال.
استفزت فروسيتهم الهمجية فروسيتنا العربية و الإسلامية، اندحرت غزوتهم، استسلمت حصونهم، لم يخلفوا وراءهم بعد قرنين من الزمان، أي اثر في عقل الأمة ووجدانها يغري بالإقتداء، الاستلهام، التقليد. كان جلاؤهم إنجازاً كاملاً للاستقلال الوطني.الغرب في غزوته الحديثة، بعد وعي الدرس السابق، كان عازما على ان يلحق عالم الإسلام والعرب بالمركز الغربي إلحاقا مؤبدا. لكن كيف ؟ هناك أراء متعددة وإجابات مختلفة.نضع رأي الدكتور محمد عمارة بالشكل التالي:1ـ الاحتلال العسكري، لابد يوما ان يستفز الحس الوطني فيجليه.2ـ النهب الاقتصادي، لابد وان يستفز المصالح القومية فتنتزع الأمة ثرواتها من مغامريه وشركائه.3ـ الأيدي العاملة الرخيصة التي تعتصر احتكاراته جهودها، لابد وان يوقظ الاستغلال حسها الطبقي فتثور على هذا الاستغلال. لكن الملاحظ ان الغرب حاول إتباع عدة طرق استدراجية منها:1ــ أطلق على بلادنا مسميات كثيرة، هي(طعم) و(طعام) يؤدي تناوله إلى ان الغرب مركز العالمية، ما عداه هو(الشرق الأدنى)لأنه أدنى من المركز(الأوسط)، (الأقصى)، (الثالث)، (المتخلف)، (التعصبي)، (الرجعي)، (السلفي)، (علي بابا)..كمعايير ووحدات قياس لكي تقفز الى ذهن النخبة، الصفوة التي تغربت وانجذبت نحو مذاهب الأدب، الفن، الفلسفة الغربية لتنهل منها. 2 ـ التبشير خلق لمذاهبه الدينية ركائز، كنائس في بلادنا، انتزعت أرضا التحقت بمراكز اللاهوت في بلاده، على حساب إسلامنا حينا، على حساب كنائسنا الوطنية الشرقية في اغلب الأحايين.3 ــ الاستشراف، الذي ارتاد أعلامه ميادين تحقيق مخطوطات تراثنا، الكتابة عن مذاهبنا، فرقنا، مجتمعنا.4 ـ استحداث مراكز للدراسات والبحوث تسلط الضوء على ضعفنا وتشرذمنا، سلطت الأضواء على الفرق الشاذة، الأقليات النافرة، المذاهب الدخيلة.5 ـ منح شهادات عليا في مختلف فروع المعرفة، فيها جرأة التطاول على التراث بالنقد، التجريح، الشك.6 ـ استقطاب الكفاءات العلمية، اغتيال العقول او إغرائها. تشجيع هجرات الثروات المادية والبشرية.7ـ بث الفضائيات والاستخدام السيئ للعلوم، الفنون، الآداب.8 ـ إظهار سياسة التسامح مع الآخر مقابل نعتنا بالتعصب حتى مع الذات أحيانا بالانشطاري باسم الدين والقومية.9 ـ المنافسة للحصول على منح الجوائز الكبرى.10 ـ شيوع ثقافة الجنس والمخدرات، الفن غير الملتزم.11 ـ بث سموم الأفكار في عقول القراء، ان الأسلاف لم يكونوا غير نقلة، حفظة لتراث اليونان، ليتولد فكر مقتنع باستحالة إبداعنا لمستقبل متميز ونهضة مستقلة.12 ـ جعل معايير تقييم التراث غربية. 13ـ نشر مفردات اللغة الأجنبية ومعاداة العربية، التركيز على اللهجات العامية.أما التحديث يجب ان يكون على النمط الغربي. كما كانت علاقة دينهم بدولتهم (كهنوة)، (ثيوقراطية)، (تفويضا إلهيا)، (حكما بالحق الإلهي) زعموا ان خلافتنا حكما مطلقا، الخليفة يستمد سلطانه من الله.مراجعة علاقة الدين بالدولة، ان ينحو الناس بالمعيار الإنجيلي ما لقيصر لقيصر وما لله لله، لأنها رسالة روحية مهمتها خلاص الروح وتنظيم مملكة السماء، لا دخل لها بسياسة الدولة وتنظيم المجتمع، تنمية العمران.جردوا الإسلام من جوانبه المدنية، فزعموا ان النبي محمد(ص)رسولا لدعوة دينية، لا تشوبها نزعة ملك او دولة حكومة.لقد استطاعت الدوائر الغربية الهيمنة على ميادين التأثير الفكري وأدواتها، مستندة الى الإنجازات الرائعة، التي حققتها نهضتها الحديثة.ونجحت في خلق(نخبة) و(صفوة) متغربة من أبناء امتنا.عندما إنبهرت بروعة الحضارة الغربية وهي تقارنها بتخلفنا الموروث عن نظم وأحقاب دول معسكر الترك والمماليك. ظانة ان هذا الميراث هو حقيقة الإسلام والحضارة العربية. فاعتقدت ان السبيل الى التقدم، الى مغالبة الغرب، الانعتاق من قيوده الاستعمارية، هو استعارة الحضارة الغربية بحلوها ومرها، بخيرها وشرها، فدعت ان نكون غربا نصيب كما يصيبون ونخطئ كما يخطئون.الكثيرون من أعلام هذا الفريق، عاد يراجع نفسه، انحاز في الأخير الى الخيار العربي والإسلامي. منهم انتقد مرحلة تغربه الفكري، عمليا من خلال الاهتمامات التي ركز عليها في نتاجه الفكري واطروحاته النظرية..لكن فريقا آخر من الذين تغربوا لم يكن دافعهم الى إنهاض الأمة كي تتحرر، إنما الكراهية للعرب والإسلام، الرغبة في إزاحة نمطه الحضاري عن النهضة المنشودة.هكذا وجدت دعوات اليقظة العربية الإسلامية، حركاتها، جماعاتها منذ أواخر القرن التاسع عشر. ان التحديات، العقبات التي نواجهها، نجابهها، قد أضيفت إليها مخاطر (التغريب)فكان عليها وعلى الجماعات المثقفة، ان تبذل جهدا ملحوظا على الجبهة الحضارية، لصياغة مشروع حضاري عربي إسلامي إنساني، يكون دليل اليقظة الى النهضة المستقلة استقلالا حقيقيا من الحبائل، الشراك التي صنعها ويصنعها الغرب على جبهة فكرية التغريب.
التغريب ودليل اليقظة الى النهضة
نشر في: 27 يناير, 2010: 06:05 م