3-3
كما كتبت في عمود الأسبوع الماضي، كان عنوان ورشة السرد التي نظمتها جمعية البرلمان الألماني بدعم من وزارة الخارجية الالمانية والتي أدرتها في البصرة من 22 إلى 26 مايو/أيار هو "الكتابة من أجل الحياة"، وللمفاجأة المبهجة بالنسبة لمنظمات الورشة الألمانيات وبالنسبة لي هو لمس هذه الرغبة المدهشة عند العديد من النساء في طول العراق وعرضه للمشاركة بعمل الورشة، في النهاية شاركت قرابة 25 امرأة عراقية أغلبهن من البصرة. نساء قادمات من شرائح مختلفة تدربن على فن السرد، بينهن: الطبيبة والمهندسة والمعلمة وربة البيت والطالبة والإعلامية الصغيرة والكبيرة. ولأن هذه الورشة هي جزء من ورشتين لكتابة النثر ستلحقان بها في وقت لاحق، فقد فضلت أن نبدأ بالتدريب على كتابة القصة القصيرة، لتلحق بها ورشة ثانية بالرواية وأخرى بكتابة المقالة، هكذا على مدى خمسة أيام، تلقت المتدربات دروساً عملية في فن كتابة السرد بشكل عام، وفي فن كتابة القصة القصيرة بشكل خاص. فعل استثنائي حقا، لكنه يدعو للبهجة أيضا، أليس كذلك؟ بالفعل، على مدى خمسة أيام حضرت النساء كل يوم منذ الساعة التاسعة صباحاً وحتى الثالثة والنصف عصراً، يتدربن، ويتعلمن فن القص وبمختلف أساليبه، كيفية كتابة ما يرغبن بروايته، تعلم فن البوح، إذا جازت لنا التسمية، ومع الساعات الطوال التي كانت تستغرقها ساعات الدرس في الورشة، وسط صالة التدريب المسكونة بالصمت أحيانا، والضاجّة بالقصص أحيانا أخرى، مع الأحرف والكلمات والجمل القصيرة، التي كانت تستحيلُ إلى حكايات وقصص، كنت شاهداً على هؤلاء النسوة المكافحات، كيف أنهن كن يختصرن العالم سرداً، فرحات، مثل من يكتشف عالم مدهش جديد، نعم، كأن حياة جديدة عادت لهن في القاعة الصغيرة، داخل بناية معهد التدريب والتطوير في البصرة، لم يهمهن أن الذي يشرف على الورشة رجل وليس امرأة، على العكس، أنهن فخورات، "كلا، نحن أصلاً دائماً نجلس ونتحاور مع بعض في البيت وفي مكان العمل، ما ينقصنا هو رجل يصغي لنا"، كما علقت إحدى المشاركات وهي تقييم عمل الورشة، "خاصة إذا كان المدرب صاحب خبرة مشهود لها"، "كاتب عراقي يعرف هذه المدينة وحفظ تفاصيلها عن ظهر قلب"، وهي هذه الأذن الصاغية التي لم تتعب من سماع بوحهن على مدى الأيام الخمسة ما جعلتهن يتعاملن من فن السرد وكتابة القصة مثل قضية مصيرية، يهمسن ويصرحن، يحكين ويتناقشن، ومع كل جملة تتصاعد دهشتهن بالقصة التي كتبتها إحدى المتدربات، بفرحة الفكرة التي خطرت عليها. قرابة خمس وعشرين امرأة ومن مختلف الأصول والأعمار، تدربن على فن البوح، ومارسن طقوسا في التعايش والمحبّة، وحتى إذا اختلفن بالرأي لحظة، فبهدوء، لم يكسرن حالة السلام بينهن، كن بعيدات عن التطرف في السلوك أو في الرأي، تقبلن بعضهن وهن يشكلن عالماً من الصفاء والمحبة، بعيداً عن هذا العالم المجنون الذي يدور خارج الورشة، بكلمة واحدة، كما قال عنوان الورشة النساء كتبن من أجل الحياة، أنها لمفارقة في النهاية، ففيما يخصني، عشت على مدى ايام الورشة الخمسة عالمين، عالم خارج قاعة الورشة، كله ألم وأوجاع ودمار، انحسرت فيه كل فسحة للحياة، عالم هواؤه خانق، عدو للتأمل وبكل ما له علاقة بالجمال، وعالم ثانٍ، داخل الورشة: عالم يفيض بالبهجة، بالحرية، لا مكان فيه لضغط المجتمع والتابوات ، عالم يتحول فيه المحرّم والممنوع والمقموع، إلى حكاية قابلة للروي، كأن الورشة ليست ورشة الكتابة من أجل الحياة وحسب، بل هي ورشة للسلام.
يُنشر المقال بالتزامن مع نشره في صحيفة فرانكفورتير الغماينة الالمانية
ورشة لكتابة النثر.. ورشة للسلام
[post-views]
نشر في: 28 يونيو, 2016: 09:01 م