كرامته صنو روحه، تغرغر في حلق الموت، ولم يشكُ أو يَعرِضْ محنته على قارعة التسوّل، تراه يَكتمُ ألمه لئلا يفضحه ويوبّخُ قلبه بجَلَدٍ إيّاه أن يخنع، لا يستفزّه الضنكُ ولا ثقلُ الهمومِّ ولو كانت من جبلٍ، فذلك قدره لأنه عراقي وُلِدَ شهماً ، باسلاً وأبياً ، ويودِّعُ الدنيا باسِطَ الكفِّ وخيرُ عملِه يبقى ينهمرُ.
بعفويته البائِنة على قسمات وجهه، ونقاء سريرته مثل اسمه، نقل لنا الزميل نزيه الركابي عبر صفحته الشخصية في الفيسبوك صورةً حزينةً تختزلُ معاناةَ العديدِ من العراقيين النجباء بـ(بروفايل) محمد تقي أحد لاعبي كرة القدم في مدينة الحرية وأبرز نجوم فريق الصناعة في عهود الكبار، تقلّبت معه أهوالُ المعيشةِ من مالكِ مالٍ طليقٍ في دروب الكرم لإسعافِ المحتاجين، الى أسير ظله مغلول اليدين، منزوٍ في "خرابة" لا أنيس له فيها سوى تمتمات هذيان الماضي بذكريات صحبه، وقهقهات مزاحهم وصيحات الجماهير الثائرة في مباريات الحسم.
يغفو تقي ويصحو متسائلاً في سرّه أين مَن كانوا يُصبّحون ويُمسّون " أهلك ولو تهلك ولو جاروا عليك " لماذا تركونا نهلك ويجور علينا الزمن؟ ثم يعاود يستدرك خجله من الشكوى ويضرب صدره بقبضة يده لزلة لسانه الخؤون في معتكفه!
ألا تعساً لعُسر الحال، مآسي الرياضيين لا تأتي فرادى ، فما أن وطأت قدما مدرب شباب القوة الجوية كاظم فليح أرض مطار بغداد الدولي قادماً من رحلة علاج في تركيا منكفئاً لفشلها حتى أطلق نداء استغاثة لإنقاذه من مرضه وسط توسلات أولاده أن يفعل المستحيل ليبقى قربهم ويسعدهم ولو كلّف الأمر قضاء بقية حياته عاطلاً ولا تقتله حسرة ضياع أمل العلاج.
أية إنسانية تنتمون، من أين تعلمتم قهرَ أبناءِ الرياضة بسلاح صمتكم وعبطكم، ما أغربكم، تهرعون كالجياع لتنهشوا بملذات السفر وتسرفوا الأموالَ وتكركروا بلا وجع قلب بينما تتباكون وتتذمرون إذا ما دعاكم أحدهم لإنقاذ رياضي من المرض والعوز!
مضت أربعة أيام على إطلاق الركابي نداءَهُ في منشور صفحته، وهاتفته بالأمس متسائلاً "هل اتصل بك أحدٌ من المؤسسات الرياضية القيادية أو بعث لك برسالة يطلب هاتف وعنوان تقي؟" أكد زميلي أنه لم يتلقَّ سوى تعليقات من أصدقاء وزملاء تعاطفوا مع ظروف الرجل واستغربوا عدم تحرّك ناديه السابق (الصناعة) واتحاد الكرة لمدِّ يــدِ العون.
إذا كان المسؤول الرياضي عن حالتي (تقي وفليح) وغيرهما من الرياضيين المُبتلين بمحنِ لا يقووا على تذليلها، يترفّع عن مقارنة سياسة إدارته عمّا كانت عليه الرياضة في عهود مضت فهو واهم، لأن سياط حقائق التاريخ تجلدُ الجميعَ من دون استثناء، مثلما ترافعتْ دموع الحارس الدولي السابق المرحوم حامد فوزي في شكواه أثناء حواري معه قبل وفاته في 5 كانون الثاني 2005 عن مرارة الأيام التي قضاها لسد رمقه باستحصال (الخردة) من الجماهير قرب دورة المياه في ملعب الشعب أمام أنظار مسؤولي اللجنة الأولمبية واتحاد الكرة قبل عام 2003، فالمأساة بعده تتوالى والصدمات مُبكية في زمنكم، وكثيرٌ من الرياضيين المتعبين لا يجدون محصول فوزي لنزع أنياب الإفلاس المغروزة في ضلوعهم !
صراحة ، أن مسؤولي وزارة الشباب والرياضة واللجنة الأولمبية وجميع الاتحادات والأندية أغمضوا عيونهم عن متابعة هموم الناس من أبناء الرياضة إلا ما ندر، فمسؤولية رابطة الرياضيين الرواد أمانة لمتابعة احتياجات المنضوين اليها وتفقّد ممن لم تسنح لهم الفرصة بالانخراط في هيئتها العامة وأن لا يقتصر اهتمامها على المطالبة بحقوق مَن زاملَ أعضاءَها في حُقبةٍ ما، بل لتشملَ الجميعَ بالرعاية وتجري التنسيق بينها والدوائر الرسمية للبت في علاج المرضى وإنهاء معاناة ممَّن ضحّى لأجلِ العراقِ وسقطَ ضحيةَ ضميرٍ فاســـدٍ.
نداء نزيه وضمير فاسد
[post-views]
نشر في: 28 يونيو, 2016: 02:58 م
جميع التعليقات 1
سمير
السيد الكاتب السيد المحرر تحياتي واحترامي من فضلكم كيف أقدر أن أتواصل مع محمد تقي؟ أين عنوان المكان الذي يسكن فيه؟ كيف أستطيع مساعدته؟ أرجوكم الرد علي. أنا صديق الصبا لمحمد. أرجو الكتابة إلي على هذا الايميل ولكم الشكر: samirtahir@gmail.com