إلى: معلّمي الأول عبد العزيز عسير
سأنتمي لمعلمي الأول، الاستاذ الشاعر والمربي الكبير عبد العزيز عسير وأعمل بنصيحته وأكتب عن التعليم، وأستثمر حصول ثلاث من الطالبات العراقيات على المراكز الأولى في نتائج امتحانات طلبة الثانويات، ولتكن البداية مع فهمي للحديث الشريف:(خيركم مَن تعلّم القرآن وعلّمه). ترى ما نوع العلم والتعليم هذا، الذي أراد الحديث به، هل هو العلم المعمول به في مدارس غالبية الدول الاسلامية، والمقتصر على الحفظ الببغائي للكتاب أم هو التدبّر والسعي والاجتهاد والابتكار لفهم أسرار الحياة واشتراطاتها، كما هو عند العالمين في اوروبا وأمريكا ودول جنوب شرق آسيا؟
ولأن الموضوع يتسع بما يصعب الإلمام به في عمود صحفي، إلا أن مسحة تاريخية للتعليم في العراق ستنبؤنا بما كنا فيه، وما أصبحنا عليه اليوم. فقد مضى زمن طويل على مغادرتي الدرس، لكنني ما زلت أحتفظ بعيني وذاكرتي بصورة وهيئة معلميّ في الابتدائية، المدير حسن فاتح والاساتذة حميد العبدالله، وصبري الدغمان وعبدالخالق المناصير وعبدالزهرة ومنذر ورشيد ومعذرة لمن لا يحضرني اسمه الآن. وفي لحظة تاريخية ناردة أستحضر معهم الآن صورة الأناقة والجمال والعفة والطهر والحرص والمدنية، كانت وجوههم مشرقة بالأمل، وثيابهم دالة على عصر باذخ أنيق، تعليمهم يعني الحرص والمسؤولية والتطلع للغد الأفضل، لا، لم تكن العصا للترويع والتسلط إنما هي للجد والسعي والنجاح.
ظل الطالب آنذاك، يسعى للمُثل العليا تلك من خلال التقرب لصورة أستاذه، مرحلة إثر أخرى. أذكر أنني قرأت ثلاثة من دواوين الجواهري في مكتبة متوسطة النضال بالبصرة القديمة، وكنت مسحوراً بشخصية أستاذ العربية، الشاعر طارق شفيق الطاهري، وظل ديوانه (جراحات قلب) يلوح لي في واجهة المكتبة الأهلية زمناً، وقد أتسعت عينا مدرس الاجتماعيات عبد الرحمن السعد دهشة وإعجابا حين سألته عن معنى كلمة (البراغماتية) التي قرأتها في مجلة (الثقافة) لصلاح خالص، وحين كان الاستاذ عبد العزيز عسير طالباً في كلية الآداب كنت احلم بحلمه، أردت أن اكون شاعراً مثله، وحين دلني على نيتشه (هكذا تكلم زرادشت) كان قد أطبق على دائرة جهلي بالتمام.
اعود إلى الحديث الشريف( خيركم مَن تعلّم..) لأستحضر ما قرأته في خبر شركة سامسونج، التي تعمل على منع علمائها وخبرائها من الاتصال بأحد، أيّ أحد في العالم، لكن مع الحرص على توفير ما ليس بمقدور أحد توفيره لهم، من المال والسكن والطعام والاجهزة ووسائل الترفيه والراحة، ليس من أجل شيء، ولا لأنهم يريدون أن يحفظوا انشودة وطنية او جملة من كتاب مقدس أو قولا لزعيم سياسي أو لغرض آخر إنما من أجل أن يطوِّروا يبدعوا من أجهزة. أقول ذلك وانا انظر لأصابع زوجتي التي راحت تلامس أزرار الغسالة السامسونج الحديثة التي اشتريتها لها، وهي تأخذ ملابسنا الى حبل الغسيل، نظيفة، مغسولة، ناشفة، خالية من الماء. أقول ذلك وانا أُشاهد الملك والرئيس العربي والأمير الخليجي وزعيم الحزب الديني العراقي، وهو، وهم يباركون لطلاب مدرسة دينية تخرجهم ونجاحهم في دورة حفظ القرآن، وانهم سيصبحون أئمة ومشايخ وخطباء.يا عيني.
ولكي لا يُعيب عليّ أحدٌ شأني في الكتابة، ويقول لي إنك نسيت احتفاءك الأول بنجاح الطالبات الثلاث، أقول: لا وربك ما نسيتُ، لكنني، أخشى من مأزقي وأعوذ من تذكري هذا، ذلك لأنني سأبحث عن شيخي، هذا الذي قال لي بنقصان عقل المرأة. وسأشهر بوجهه البليد اسم الطالبة (مريم عبدالكريم) التي حصلت على المركز الأول لطلبة الثانويات/ الفرع العلمي وجاءت بمعدل 100%. تُرى ما الذي سنجنيه من عقل طالبة، طالب بهذا المستوى من الذكاء والعبقرية لو أننا أجلسناها (ه) في مدرسة دينية لتحفيظ القرآن، وكيف سننتفع بالحفظ هذا؟ وأيُّ خير سيردنا من ذلك كله؟
يؤسفنا القول بان جدران منازلنا ظلت تزدان بصورة السيد فلان والشيخ علّان وهما بالعمة الحافظة.. والجبّة التالية.. زاحفة على صورة المعلم الاستاذ بالابتسامة المطمئنة وبالذلة الأنيقة وبالسيرة العلمية النافعة. يؤسفني أن تكون صورتهما (السيّد والشيخ) المثال والأمل. يؤسفني، شخصيا رؤية العشرات من الطلاب والطالبات ممن يحملون قراطيسهم سائرين الى المسجد والحسينية بدلا من رؤيتهم وهم في طريقهم الى المصنع والمعهد والمختبر... لا نريد أن ننال من أحد هنا، بقدر ما نفتش عن مَن سيرشدنا الى المعنى العلمي والحقيقي لمنطوق الحديث الشريف ذاك.
جميع التعليقات 1
ابو سجاد
الحمد لله يااستاذ طالب ان هؤلاء المشايخ والمعممون لايقراْون الصحف ولو كان عكس ذلك لما نجيت من فتوى تهدر دمك لان هكذا عقل وهكذا ثقافة مستنيرة لاتتناسب وعقولهم المظلمة التي تريد منا ان نعيش في عصور التخلف والجهالة فهنيئا لكل العراقيين بنجاح فتاة البصرة واق