يستخرج الكاتب "عبدالرحيم كمال" من النفس الانسانية كل الخبايا التي تطغى عليها في الحياة بمختلف انواع الدلالات الدينية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية والمنطقية ،حتى الدقيقة منها التي تعتمد على الأسس الانسانية او الأسس العا
يستخرج الكاتب "عبدالرحيم كمال" من النفس الانسانية كل الخبايا التي تطغى عليها في الحياة بمختلف انواع الدلالات الدينية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية والمنطقية ،حتى الدقيقة منها التي تعتمد على الأسس الانسانية او الأسس العائلية في التربية من خلال فلسفة تصوفية تعيد اصل الاشياء الى الوجود. لتكون حاضرة في مسلسل "ونوس" مازجا بين الحقيقة والخيال، والانطباع البشري مع الحفاظ على المستوى الدرامي وتسلسله في الافكار، وكأنه يترك للوساوس الشيطانية في "ونوس" الرجل الذي يلاحق "ياقوت" الهارب من قدره ، حيث قدره بتوازن بين شخصيات تتصارع مع بعضها ضمن الواقع الذي ينقلنا الى رؤية تستفيض منها الأوجاع والأفراح والمشكلات النفسية العالقة في شخوص استدرجنا اليها "عبدالرحيم كمال" لنعيش معها كأننا نشهد مسيرة الانسانية بكاملها. وببراعة اخراجية بدأت من التتر وموسيقاه المؤثرة قبل بداية المشهد الاول مع العم ابراهيم والسماء العاصفة بالمجهول ، فهل استطاع الكاتب "عبدالرحيم كمال" وضعنا امام حكاية الانسان بتبسيط فلسفي لمسألة الخير والشر، وكأن الشيطان هو الانسان نفسه عندما يقرر تغيير مساره الحياتي.
يحيى الفخراني وقدرته الدرامية في جعل الشخصية بارعة في التأثير والاقناع والإمساك بالحبكة الدرامية بقوة تعابيره التمثيلية والاداء التفاعلي، ليجمع بين المشاهد والشخوص والواقع المشابه لمعاناة عائلة تركها الوالد دون التفكير برعاية من استمروا في الحياة، وترعرعوا مع الام التي جمعت الاولاد تحت خيمة بيت ترعاه حتى دون البحث عنه بغموض فرضه ونوس منذ البداية، وتأقلموا بأن الفقير والدهم غير موجود بينهم . الا ان رغبة ونوس في ترك ما يثير النفوس في الامتلاك، وتحفيز النفس المجبولة على حب المال للانتباه الى الوجود الواقعي المحفوف بالطمع والجشع، وبايحاءات تساؤلية تجعل المشاهد يستنبش اخطاء الانسان، والعنصر القدري الاساسي لتوجهاته التي يتركها كعلامات تعجب من مسارات الحياة برمتها، وكيف تتوزع النقاط لتلتقي ضمن قدرة عجائبية او وسوسة مقنعة. إن بالحق او بالخطأ، وفي كلتا الحالتين الشخصية وحدها تدفع فواتير اختياراتها، والبناء الدرامي لهذه الشخصيات متين في تطلعاته وقدرته على الحبك الفلسفي او بالاحرى التصوفي الحكيم.
استطاع المخرج "شادي يحيى الفخراني" بناء المشهد بتقارب منطقي مع الاحداث وضمن إبعاد الملل او احتواء الحوارات الطويلة مدركا جوهر كل شخصية وتوجهاتها نحو النقطة الاخيرة بنمو توافق مع النص بتآلف سردي حواري مشهدي عبر ثلاثية المشهد من خلال تقطيع في ردات الفعل اثناء كلام الممثل يحيى الفخراني، والتقاط ابرز انفعالاته التي تجاوب مع تأثيراتها المشاهد لتكوين صورة عن هذا المخلوق القادر على التسرب في حيوات الشخوص واستدراجها الى منبع الشهوات والمغربات، ومكامن الطموح والاطماع التي طالت حتى" القصبي" الرجل الذي يخدم الناس بمحبة منذ سوات قبل ان يحط رحاله ياقوت في غرفته ويتشارك معه سريره، فهل يمكن للوساوس بكافة انواعها تغيير لانسان الثابت في الحياة، وهل هو موجود اصلا؟
كلاسيكية التتر لم تمنع انسياب الموسيقى التصويرية بين المشاهد وفي التتر ، كما ان توازن الشخصيات في اداء الادوار تفاوت بينهم وان بجمالية درامية لا يمكن انتقادها الا ضمن فواصل بسيطة ، بدءا من الفنانة "هالة صدقي" وانفعالاتها المسكوبة في اطار امومي روتيني اجتماعي مفروض على الشخصية التي تلعب الدور الاهم في جمع شمل العائلة والخوف عليها ، الا انها ضمن المشاهد الداخلية الانفعالية اتقنت ايصال احاسيسها للمشاهد برغم ان صوتها الانفعالي عند البكاء او الصراخ، كان ينقصه الوضوح او لخامة صوت مختلفة، ليصل المعنى كما ينبغي للمشاهد. اما الفنانة "حنان مطاوع" فقد اندمجت مع الشخصية اندماجا محببا، ما جعلها تلامس المشاهد وتمنحها مصداقية وغرائبية سلوكية لأحقاد تنفثها هنا وهناك، لينتقد مع من حولها خوفها على ابنها وتعلقها بالهواجس وبيقين لا يمت الى الايمان الحقيقي الذي يحاول ابرازه فاروق او"نيكولا معوض" الذي استطاع ببروده ان يحدد وجهته بثبات انتقده ونوس، وكانه يريد القول ان الانسان عدو نفسه، فهل استطاع تحقيق الهدف كل من الكاتب عبدالرحيم كمال ويحيى الفخراني والمخرج شادي الفخراني؟