TOP

جريدة المدى > سينما > الفيلم الوثائقي الصيني..حـــيـــن يـــعــبـــث "بــهيــمــوث" بـــالــطــبـيـعة

الفيلم الوثائقي الصيني..حـــيـــن يـــعــبـــث "بــهيــمــوث" بـــالــطــبـيـعة

نشر في: 30 يونيو, 2016: 12:01 ص

لا توفر دور العرض السينمائي أفلاما وثائقية مهمة ، كونها تبتغي الربح مما تعرضه من أفلام ، لذلك فهي تعرض الأفلام الروائية بشكل دائم ، الكثير من القنوات التلفزيونية تخصص بعرض الأفلام الوثائقية ، التي يكون بعضها على شكل سلسلة مثل "ائبيبلكس" وهو سبعة اجزا

لا توفر دور العرض السينمائي أفلاما وثائقية مهمة ، كونها تبتغي الربح مما تعرضه من أفلام ، لذلك فهي تعرض الأفلام الروائية بشكل دائم ، الكثير من القنوات التلفزيونية تخصص بعرض الأفلام الوثائقية ، التي يكون بعضها على شكل سلسلة مثل "ائبيبلكس" وهو سبعة اجزاء عن الحرب العالمية ، وكذلك سلسلة درب الحرير ، ولكنها لا تستطيع ان تتابع دائما افلاما وثائقية اشتغل مخرجوها على ثيمة ذات مغزى سياسي واجتماعي للوصول الى هدف هو غاية منتجيها.

هذه الافلام توفرها المهرجانات السينمائية العديدة التي تقام في مختلف انحاء العالم . واحد من اهم هذه المهرجانات هو مهرجان دبي السينمائي الذي عرض في دورته الثانية عشرة مجموعة ممتازة من  الافلام الوثائقية المهمة مثل الفيلم الهندي "حبا برجل" للمخرج رنكو كالسي ، وكذلك الهندي "معركة بانارس" للمخرج كمال سواروب ، والاماراتي الهولندي " 23كيلو متر" للمخرجة نورا كيفوركيان ، اضافة الى الفيلم الصيني " بهيموث " للمخرج زاو ليانغ ، الذي يسلط الضوء على مشكلة تراجع المراعي والمساحات الخضر أمام المد الكبير لعمليات استخراج فلزات الحديد من الارض ، مقارنا بين الجنة والجحيم ، واضعا " بهيموث " شاهدا على ذلك .
ورد اسم "بهيموث" في سفر أيوب ليصف حيوانا اختلف المفسرون فيه اذ يقول الرب لأيوب :-
هُوَذَا بَهِيمُوثُ الَّذِي صَنَعْتُهُ مَعَكَ يَأْكُلُ الْعُشْبَ مِثْلَ الْبَقَرِ.
هَا هِيَ قُوَّتُهُ فِي مَتْنَيْهِ، وَشِدَّتُهُ فِي عَضَلِ بَطْنِه
 يَخْفِضُ ذَنَبَهُ كَأَرْزَةٍ. عُرُوقُ فَخِذَيْهِ مَضْفُورَةٌ.
 عِظَامُهُ أَنَابِيبُ نُحَاسٍ، جِرْمُهَا حَدِيدٌ مَمْطُولٌ.
 هُوَ أَوَّلُ أَعْمَالِ اللهِ. الَّذِي صَنَعَهُ أَعْطَاهُ سَيْفَهُ.
 لأَنَّ الْجِبَالَ تُخْرِجُ لَهُ مَرْعًى، وَجَمِيع وُحُوشِ الْبَرِّ تَلْعَبُ هُنَاكَ.
 تَحْتَ السِّدْرَاتِ يَضْطَجعُ فِي سِتْرِ الْقَصَبِ وَالْغَمِقَةِ.
 تُظَلِّلُهُ السِّدْرَاتُ بِظِلِّهَا. يُحِيطُ بِهِ صَفْصَافُ السَّوَاقِي.
هُوَذَا النَّهْرُ يَفِيضُ فَلاَ يَفِرُّ هُوَ. يَطْمَئِنُّ وَلَوِ انْدَفَقَ الأُرْدُنُّ فِي فَمِهِ
استعارة الاسم لها دلالتها في الفيلم كون الفيلم يتحدث عن تخريب شركات الحديد لمساحات شاسعة من المراعي لاستخراج فلزات الحديد، لذا بالإمكان تأويل العنوان وفقا لفهم كل مشاهد ، فهل بهيموث هو المخرب للطبيعة من خلال قوته ، ام هو الانسان الذي لم يسلم حتى بهيموث منه وهو الذي يأكل العشب مثل البقر .
حفارات عملاقة تغوص في عمق الارض ،  وخط شاحنات لا ينقطع يحمل التراب الذي تستخرجه الحفرات ، مئات العمال يشتغلون في تحميل التراب ، وتقليبه في افران ذات درجات حرارة عالية جدا ، وجوه يعلوها سواد دخان المناجم ، لاشيء يعلو محياهم سوى الوهن والتعب ، تجاعيد رسمها الارهاق ، حتى في بيوتهم تشعر انهم ما زالوا في عملهم ، البيوت متشحة بسواد المناجم هي الاخرى كونها قريبة منها ، التخلص من بقايا الغبار الاسود لا يتم الا بصعوبة بالغة ، الاصابات تحدث بين الحين والاخر ، المراعي التي يستعرضها مخرج العمل تبدأ بالتناقص وتضيق مساحتها امام زحف الوحوش الحفارة ، وبيهيموث ، شاهد على كل ذلك ، فبين مشهد وآخر نراه في مقدمة الصورة يأخذ وضع القرفصاء ، كأي كائن قلق على مستقبل عيشه ، لا يظهره المخرج كوحش مثلما ذكر في سفر ايوب ، بل يبدو انسانا مجردا من ملابسه لا يظهر منه سوى جذع مقوس .
لم يشتغل المخرج زاو ليانغ على ثيمة  فيلمه بشكل تقليدي ، او بشكل مباشر بطرحه لقضية العبث بالطبيعة ، كما في باقي الافلام الوثائقية التي تطرح مثل هكذا قضايا ، فبدءا من اختياره للعنوان ، نلمس اننا أمام منجز لمخرج مختلف في طرحه ، اراد للصورة ان تكون هي المعبر الرئيس عما اراد قوله ، لذلك لم يعتمد اللقاءات مع من لهم صلة بالمشكلة ، كما هو معتمد في الاشتغال في العديد من الافلام الاخرى .
بالتأكيد ليست كل صورة لها ذات التأثير على المتلقي ، لذلك عمل زاو ليانغ على الاشتغال على محتوى الصورة بحرفية عالية |، ليكون لعمق دلالتها تأثرا واضحا على المتلقي .
منذ المشاهد الاولى يرسم زاو لوحات فنية اكثر منها صور وثائقية ، توثق ما يجري ، صور تعمد في احيان كثيرة ان يقسمها بموشور يفرز حجم الجمال والخراب على الجانب الاخر ، واضعا في مقدمتها انسانا عاريا ينام على الارض بذات الطريقة التي ينام فيها الجنين في بطن امه ، لكنه دائما في الجانب الذي لم يصله خراب " البهيموث " بعد ، لكنه يستشعر حجم الكارثة .
في مشهد عام ، نصف القريب للشاشة تملؤه المراعي الخضر ، في نصفه البعيد ثمة العشرات من الشاحنات والحفارات العملاقة التي احالت الارض الى حفر كأنها وديان يملأها السواد ، شاحنات تغادر واخرى تأتي ، الدخان الاسود يمتد ليعطي المراعي .
السكان يهاجرون ، تاركين المكان للذين جلبوا "البهيموث" ليخرب مراعيهم ، تتقدمهم امرأة تحمل بعض الاغراض يتبعها طفل وثلاثة رجال ، كل يحمل غرض من اغراض البيت الذي هجروه .
لقطات قريبة لوجوه عفرت بتراب اسود ، تقاطيع تحمل اثر العذاب والمعاناة ، وجوه لا يبدو انها تعيش حياتها كما يفترض بالإنسان ان يعيش ، يعود بين فترة واخرى الى ذات المكان حيث الحفارات والشاحنات تأكل المراعي ، لينتقل بعد ذلك الى بيوت العمال عارضا معاناتهم هذه المرة ، العمال ادوات "البيهموث" المجبرون ان يكونوا كذلك من اجل قمة العيش ، اي عيش وأية بيوت ، واي حالة صحية مزرية ، اثر الدخان الاسود لا يمحوه الماء الساخن ، لا اثر لابتسامة تعلو وجوههم ،  الحزن والسواد فقط ، يعلو كل الوجوه .
بعد شحنة الألم التي يبثها زاو لينانغ للمشاهد ، يبدأ بتعميقها من خلال معرفة نتائج كل ذلك على صحة العمال ، المستشفيات مملوءة بهم ، معظمهم يسير الى نهايته ، فالفشل الرئوي هو السائد نتيجة استنشاق الهواء الاسود ، عارضا الكيفية التي يتم فيها حرق التراب واستخراج فلزات الحديد بدرجات حرارة تفوق الألف مئوي ، والعمال يقفون امامها .
الموسيقى التصويرية للفيلم كانت لاعبا مهما في شحنة التأثير العاطفية التي بثت للمتلقي ، موسيقى حزينة ، لعبت دورا كبيرا في حجم التأثير الذي اراده الفيلم.
قد لا تحتاج الافلام الوثائقية الى تأويل نصها البصري ، بسبب المباشرة في الطرح ، وكونها تحاكي الواقع وتنقل جزءا منه ، لكن في فيلم زاو ليانغ ، هناك فضاء واسع للتأويل ، بدأ من العنوان "البيهموث" الذي استعاره للتعبير عن الوحش الذي خلقة الانسان وليس الوحش او الكائن الذي خلقه الإله واخبر أيوب عنه ، ومن ثم الى رمزية الصورة السينمائية ، وتقسيمها الى قسمين ، ليوصل عمق التأثير ، تاركا الرأي والتأويل للمشاهد ، وكذلك الانسان العاري الذي ينام على المرعى مراقبا ما يجري بوجوم وحزن لا يظهر على وجهه بل  من خلال تقوس جسمه  كما الجنين ، وفي الأخير ، استعراض البنايات الحديثة ، رجل يحمل على ظهره مرآة ، يظهر فيها رجل اخر يحمل آنية فيها نبتة خضراء ، البنايات خاوية ، الخضرة في طريقها للزوال ، هل سيصل الامر ان نشاهد النبات الاخضر يوما ما كصورة فقط ، ليختتم زاو فيلمه بشاحنة محملة ببكرات ضخمة من الاسلاك الحديدية ، هو نتاج كل الخراب الذي صنعه  ال"بيهموث" بالأرض.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

القوانين الجدلية على جدول أعمال البرلمان يوم غد الثلاثاء

هل أخطأ البرلمان بعدم حل نفسه مبكراً؟

العمود الثامن: لجنة المرأة تحارب النساء

62 حالة انتحار في ديالى خلال 2024 بسبب "الربا"

أزمة جفاف الأهوار.. الأمم المتحدة تؤكد دعمها و«الموارد» تتحدث عن برامج لاستدامة تدفق المياه

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

"إرنست كول، المصور الفوتوغرافي".. فيلم عن المصور المنفي الجنوب أفريقي

مقالات ذات صلة

فيلم أسامة محمد
سينما

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

علي بدرالحكاية تُروى بالضوء والظلعرض أمس في صالون دمشق السينمائي فيلم "نجوم النهار" للمخرج السوري أسامة محمد، بحضوره الشخصي بعد غيابه عن بلاده ١٤ عاما، الفيلم الذي منع من العرض في زمن النظام السابق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram