الشعراء من جيل التسعينات ،بحسب التصنيف المعتمد في العراق ، اصدروا دواوين صغيرة بطريقة الاستنساخ ، القاسم المشترك لتلك المجاميع انها تناولت انعكاس الحرب وتاثيراتها الكارثية وما خلفته من تداعيات اجتماعية واقتصادية وحتى نفسية ، احد النقاد "تناول تجربة التسعينيين" ذكر في مقال نشره حينذاك في جريدة يومية، بأن قصائد الشعراء لم تخلف سوى ثقوب في السماء ، لتشابه الصور والاستعارات ، وكأن المجاميع كتبها شاعر واحد خاض الحرب ، الناقد قلل من اهمية تجرب الشباب ، ومنهم من عاد من الحرب بعاهة ، وحالة من الانكسار النفسي ، فعبر عن احتجاجه بتمزيق رداء المساء.
الدواوين الصغيرة قالت ان الحروب فصلت على أعمار العراقيين منذ اقامة النظام الجمهوري ، منذ ذلك الوقت انتعشت مهنة الدفّانة في النجف لان اكثر الضحايا من ابناء مدن الوسط والجنوب . مع اندلاع الحرب العراقية الايرانية توسعت جميع المقابر لتستقبل المزيد من الضحايا ، وطريق الموت من الكويت الى البصرة كان وحده مقبرة لضحايا طيران التحالف الدولي على الرغم من اعلان وقف اطلاق النار . ماكنة حصاد الأرواح بالمجان لم تتوقف ، في كل شهر تصدر بعثة الامم المتحدة في العراق يونامي تقريرا يتضمن اعداد القتلى والجرحى جراء الانفجارات واعمال العنف خلال شهر واحد .
ضحايا تنظيم داعش لم تستوعبهم بعد السجلات والبيانات الرسمية ، الشعراء التسعينيون ربما استشرفوا هذا الواقع وابدوا رغبتهم في طرق ابواب القرن الحالي بقوة قبل حلوله ، منهم من غادر الى الخارج ، ومنهم حرمته عاهته من البحث عن شريكة حياة ، ومنهم من استسلم لحصار السنوات العجاف ، غادر الحياة لإصابته بمرض عضال ، ما تبقى من التسعينيين في العراق ترسخت لديه القناعة بأن بلاده ستبقى ميدان حرب عسكرية وسياسية .
الصفحة الاخيرة من حرب تحرير الفلوجة انتهت باستكمال تحرير المدينة من سيطرة تنظيم داعش ، المتطوعون في لواء درع الفلوجة من ابناء العشائر كلفوا بمهمة دفن جثث قتلى التنظيم الارهابي في مقبرة تقع في اطراف المدينة ، واعلنت مصادر محلية دفن 58 جثة تعود لقتلى من جنسيات اجنبية بعد التعرف عليها من قبل اهالي المدينة ، واعتمادا على معلومات استخبارية محفوظة لدى شرطة حكومة الانبار ، وتمت عملية الدفن باشراف منظمات محلية مرتبطة بمفوضية حقوق الانسان في العراق.
درع الفلوجة ، قبل دفن جثث الدواعش صورها ليكون على استعداد للرد على من يتهم عناصره بدفن أبناء عمومتهم ، فالحرب الحالية محلية تختلف عن سابقاتها ، تكمن خطورتها في انها تجري داخل المدن ، وأطرافها من عشيرة واحدة . رجال درع الفلوجة بإقدامهم على دفن أعدائهم أرادوا ان يدفنوا الماضي بكل آلامه بما حمل من اضطراب شوّش الأفكار وجعل العقول تنقاد الى أوهام ، لارتباط "المغذي الطائفي" بأوردة المدافعين عن المذهب والعشيرة .
مطلوب دفّانة!!!
[post-views]
نشر في: 29 يونيو, 2016: 09:01 م