بدخول القوات العراقية الى حدود الفلوجة، في منتصف أيار الماضي بسرعة مذهلة، انهارت أُسطورة "مدينة الرعب" التي سوّق لها الاميركان، كما انكشف زيف سردية "قلعة المقاومة" التي طبّل لها الإعلام العربي طويلا.
لم تك الفلوجة، التي اختطفت منذ أول ايام سقوط صدام، مدينة رعب كما صورتها الميديا الاميركية طيلة العقد الماضي. فبالرغم من فشل قوات المارينز من دخول المدينة، بعد حربين طاحنتين هما الاشد على الامريكان منذ حرب فيتنام، لكن القوات العراقية دخلتها بأقل الخسائر وبعملية عسكرية خاطفة ونظيفة.
ومع التحرير احتفظت المدينة، التي اختطفها داعش منذ عامين ونصف، ببنيتها التحتية، ولم تتجاوز نسبة الخراب فيها أكثر من 10%، بعكس الامر في عملية الرمادي، التي قادها طيران التحالف، التي تجاوز الدمار فيها نسبة الـ80%.
الكل يتذكر المعارضة الاميركية لأي جهد عراقي لتحرير الفلوجة التي تحولت الى ماكنة لصناعة المفخخات التي ضربت بغداد ومحافظات الوسط والجنوب بهجمات دموية قلّ مثيلها.
وبإصررار نادر وغريب، رفض التحالف الدولي ومن ورائه الامريكان إنهاء خطر داعش في الفلوجة التي تبعد عن مطار بغداد الدولي اقل من 20كم، متمسكاً بضرورة إعطاء الاولوية لتحرير الموصل التي تبعد عن بغداد اكثر من 460كم!
وإذا تركنا نظرية المؤامرة جانباً، فان عقدة الفلوجة لعبت دوراً كبيراً في عدم الحماسة الاميركية لشن القوات العراقية عملية مبكرة لتحرير الفلوجة، لا سيما بعد استعادتها المبادرة باستعادة مدينة آمرلي وجرف الصخر، مرورا بالضلوعية وتكريت وبيجي، وليس انتهاءً بالرمادي وهيت وحديثة.
لكنّ المبادرة العراقية، التي انتقدها الاميركان بصوت خفيض، اسقطت أبرز عقدة في تاريخ الجيش الاميركي بعد عقدة فيتنام. وعلى الرغم من الدعم الذي قدمه طيران التحالف الدولي للعملية، إلا ان الاستياء من الموقف العراقي لم يكن خافيا، اذ تم تسويقه على شكل انتقادات مبطنة لرئيس الوزراء العبادي لجهة خضوعه لضغوط "الفصائل الشيعية".
وبدا جلياً ان القادة الاميركان يستكثرون ان يكون تحرير الفلوجة "عراقياً" خالصاً، فأخذوا يتحدثون عن "معاييرهم" في التحرير التي لم يحققها العراقيون. ومع وضوح أنباء "النصر" وانكسار أسطورة داعش، إلا ان القادة الاميركان قللوا من أهمية ذلك وراحوا يتحدثون بأثلاث وارباع الانتصارات! ولم يعترفوا بالنصر إلا بعد فرار المسلحين من حي الجولان الذي كلفهم المئات من المارينز في معارك 2004.
على الجانب الآخر، بدا واضحاً ان الإنجاز العسكري في الفلوجة أسهم بإسقاط سردية "المقاومة" التي حاول الإعلام العربي إلصاقها بالمدينة كدليل على معارضتها للنظام السياسي، ورفضها التصالح مع عملية سياسية جاء بها "ظهر الدبابة الاميركية". وهذا لا يقلل من الحس الوطني لأهالي المدينة أبداً.
فقد حاول طيف واسع من الإعلام العربي، بخطاب ممنهج استمر اكثر من عقد، توسيع نموذج الفلوجة الى باقي المحافظات والبلدات في مسعى منه لصناعة "جيوب سنّية"، تقاوم "الاحتلال ورموزه" أولا، ثم تتصدى للتمدد "الصفوي الإيراني"، بعد الانسحاب الاميركي من العراق في 2011.
وطيلة الاسابيع التي استغرقتها معركة التحرير، استخدم الاعلام العربي كل فنون التزييف والفبركة لتشويه العملية وتصويرها كحرب طائفية بين سنّة الفلوجة الذين يحاصرهم "جيش صفوي" تساعده "ميليشيات طائفية".
واصل الإعلام العربي تضليل ملايين العرب من المحيط الى الخليج، من خلال التركيز على ما يثير الغرائز الطائفية ويؤجج الكراهية، متعمداً غض الطرف عن مشاركة اكثر من 15 ألف مقاتل من عشائر الانبار التي قاتلت جنبا الى جنب مع قوات مكافحة الارهاب والشرطة الاتحادية والحشد الشعبي.
لقد كشف تحرير الفلوجة للعالم ان المدينة لم تكن "أُسطورة رعب"، كما صوّرها الاميركان، ولم تكن "أُسطورة مقاومة"، كما سوّقها العرب. فهي ليست سوى بلدة لا تختلف عن باقي مدن العراق التي تعاني مما تعاني منه بسبب هشاشة الدولة وفساد مؤسساتها الذي فتح الباب امام داعش لاختطافها كل هذه الفترة.
انتهت أُسطورة التضليل والتهويل شاهدنا كيف فضّل الفلّوجيون الغرق في قاع الفرات، أو الموت برصاص الدواعش، على العيش في "جنّة" البغدادي وخلافته المتهالكة.
التضليل والتهويل في الفلوجة
[post-views]
نشر في: 29 يونيو, 2016: 06:19 م
جميع التعليقات 1
كاظم عطوان
نجاح السيد العبادي في التعامل مع السنة الموالين للعملية السياسيه ، و اختياره الناجح للفريق الركن عبد الوهاب الساعدي لأدارة معركة الفلوجة ، أسهم كثيرآ بسرعة و تميز تحرير المدينة .. فالساعدي يملك ثقة و ود السنه و وذلك لتعامله الايجابي مع الأهالي في معركة