حازم مبيضينيبدو غريباً أن يعتبر وزراء الإعلام العرب،مشروع قرار الكونجرس الأميركي،الداعي إلى معاقبة مشغلي الاقمار الصناعية التي تبث قنوات تلفزيونية إرهابية، تدخلاً في الشؤون العربية الداخلية،ويبدو أكثر غرابة،تأكيدهم التمسك بحرية الإعلام،ورفض محاولات التضييق عليها،وضرورة التمييز بين الارهاب وحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي،
كما يبدو مستهجناً تشديدهم على مواصلة مكافحة التطرف والعنف والطائفية والارهاب والتحريض عليه،والذي ليس غريباً ولا مستهجناً مطالبتهم لزملائهم وزراء الخارجية،بالقيام بتحرك في الولايات المتحدة،لإظهار الأثر الذي وصفوه بالسلبي،الذي يمكن أن يحدث في حالة صدور قرار بفرض عقوبات على مشغلي تلك القنوات. جاء ذلك بالتوازي مع قرارهم إحالة مشروع إنشاء مفوضية عربية للاعلام إلى لجنة من الخبراء الاعلاميين والقانونيين،لمناقشة الملاحظات الواردة عليه من الدول العربية،في الوقت الذي تبارى فيه الوزراء بالدفاع عن الحريات الإعلامية،ورفض التضييق عليها،والإشارة إلى أن القوانين السائدة لا تسمح بالتحريض على الكراهية أو العنف،وكأن بإمكان هذه الخطابات الانشائية إخفاء حقيقة أن بعض القنوات العربية تعيش على التحريض المذهبي،وتعتاش على التفريق بين الأديان،وتهاجم الآخر باعتباره عدواً،لمجرد اعتناقه ديانة معينة،فيما تسعى بعض الفضائيات لتمجيد الإرهابيين،وتسميهم مجاهدين،انطلاقاً من فهم قاصر لفريضة الجهاد،أو لمجرد مناكفة من يعادي تنظيم القاعدة الإرهابي،أو الأمرين معاً. ليس صحيحاً ما قيل عن عدم مسؤولية الأقمار الصناعية عن محتوى البرامج التي تبثها أي قناة متعاقدة معها،وإلا فكيف نفهم لجوء دول عربية إلى وقف بث بعض القنوات،لتضارب سياستها معها،وليس صحيحاً تصدي مسؤول عربي للتنديد بمشروع القرار الأميركي،باعتباره استباحة للسيادة الوطنية،وانتهاكاً واضحاً لحرية الإعلام،وهو يمثل بلداً يمكن تصنيف الحريات الاعلامية فيه بأنها مادون الصفر بدرجات يصعب عدها وإحصاؤها،ويبدو ضحكاً على الذقون الدفاع المستميت لوزراء الاعلام العرب عن المقاومة،ورفضهم لتسمية بعض من يدعونها بالإرهابيين،ومحاولتهم خلط الأوراق وتصنيف كل من حمل سلاحاً بأنه مقاوم،ويحضر هنا تصنيف بعض أجهزة الاعلام العربية لحركات مسلحة بعينها في العراق،بأنها مقاومة،وتسمية من يقتل من أفرادها بالشهداء،مع أن عمليات هؤلاء البطولية،موجهة ضد الشعب العراقي،والشرطة العراقية،والجيش العراقي،صحيح أن ذلك انتهى في بعض الاقطار العربية التي ذاقت طعم إرهاب (المقاومة العراقية)،لكن البعض ما زال يتغنى ببطولات المقاومين. والصحيح هنا أن على وزرائنا وضع تعريف محدد وشديد الوضوح للتفريق بين الإرهاب والمقاومة،قبل الدفاع عن المقاومة والارهاب معاً. لا نكتب هذا دفاعاً عن مشروع القرار الأميركي،ونحن الأدرى كإعلاميين كيف نتعامل معه،لكننا نكتب دفاعاً عن حريتنا في مواجهة وزراء إعلامنا،الذين يشكل مجرد وجودهم واجتماعاتهم اعتداءً على حرياتنا،وهم يعرفون أنهم آخر من يحق له الحديث عن الحرية الاعلامية في أوطان ما يزال فيها إصدار صحيفة،بحاجة إلى موافقة العديد من الجهات من أبرزها أجهزة الامن والمخابرات،وما يزال كتابها يكتبون وهم يفكرون برضى الوالي قبل رضى الضمير،ويخافون مسبقاً من أي تفسير لما يكتبون،لان معنى ذلك قطع أرزاقهم في أحسن الأحوال،إن لم يكن السجن هو المكان الافضل لكتابة مذكراتهم،التي لن تنشر طالما ظلت وزارات الاعلام قائمة،وتؤدي دورها المخابراتي بنجاح منقطع النظير.
خارج الحدود: وزراء إعلامنا وحريتنا
نشر في: 27 يناير, 2010: 06:46 م