مرّت الذكرى 47 لتأسيس نادي الزوراء الرياضي بخجلٍ شديد هذا العام لما يمرّ به النادي العريق من ظروفٍ صعبة ضيّقت مساحة الأمل لديه للخروج من أزماته بعدما عانى الكثير في مواجهة متطلباته بسبب خسارته بيت العمل والمال ، وهما من مقومات الحياة البشرية لمواصلة العطاء والأحلام لعهود جديدة لولادة الأجيال وصناعة المعجزات.
هذا ما دأب عليه نادي الزوراء منذ أن رأى النور في خضم تحدياته للظروف السياسية والإجتماعية ومتقلّبات الزمن ونرجسية الاشخاص الذين مروّا عليه وكتب كل واحدٍ حكايته ومشى، بقي الزوراء تاريخاً عريقاً وحضارة كروية نُقشتْ على جُدرانه مخطوطات الإنجاز ومآثر حراكه الرياضي وإزدهار عقوده الأربعة ونصف بفرسان الألعاب وهم يرتدوا لباسهم الأبيض الأزلي تيّمماً بالنوارس، تحلّق في القمم وتضفي البهجة والألفة وسحر الوفاء الأبدي للمكان مهما هاجرت بعيداً أو أجبرتها المناخات المضطربة على اللجوء الى المرافئ المؤقتة.
المتابع لمسيرة الزوراء طوال السنين التي شهدت تسنّم مجالس إدارات مختلفة التوجهات والعلاقات والخبرات يتيقن حقيقة واحدة لا يشوبها إلتباس متعصّب أو حَنقْ منتفع ، أن جميع تلك المجالس استأثرت بكرسي زعامته ولم تكرّس جهودها من أجل مستقبله، بل إتخذته مستقراً للوجاهة والنفوذ بمن فيهم الشخصيات المقرّبة من السلطة في الزمنين أو صاحبة المشوار الكروي في قلعته، جميعهم نهلوا من سمعة الزوراء وأهملوا حاجته اليهم لانقاذه، فتعرّض أكثر من مرّة الى التهديد بالإنهيار كمنشأ قديم يضم مرافق عدة متهالكة أو كفريق جماهيري أثخنت جراحاته طعنات الإفلاس.
مأساة نادي الزوراء عظُمتْ بعد عام 2003 ، فبعد أن تخلص من قبضة النظام السابق أملاً أن يرى حرية الحداثة والتغيير في مفاهيم الإدارة كي يشرع القائمون عليه لاستثماره في مجالات عدة تدرُّ عليهم أموالاً تسدُّ جزءاً من نفقاتهم على البُنى التحتية المهترئة وعقود المدربين واللاعبين ورواتب الموظفين، واجه زلازل إدارية ومالية عنيفة، فقد تناوبت ثلاثة مجالس إدارة عليه بالتوالي أحمد راضي ( 2003 لغاية 16 تموز 2007) وسلام هاشم (17 تموز 2007 لغاية 29 تشرين الثاني 2010 ) وأخيراً فلاح حسن ( 30 تشرين الثاني 2010 حتى الآن، والثلاثة لم يحسنوا التعامل مع الأزمة المالية التي بدَت عصيّةً، مثلما لم ينفع غطاء وزارة النقل في تأمين نفقات الفرق والرياضيين بدليل أن الموسم الأخير كان أكثر قساوة على أبناء النادي ووضعهم في اختبار مصيري نجحوا في اجتيازه بعدما اكملوا منافسات دوري الكرة الممتاز والنخبة وانجزوا منافسات الألعاب المهمة في النادي مثل الملاكمة والتجديف وتنس الطاولة من دون أن يتقاضوا حقوقهم التي تعينهم على مواصلة المسؤولية في النادي والبيت على حد سواء.
المُبكي في حكاية الزوراء في عهدين، أنه ما قبل 2003 كان هتافه يموت الجميع من أجل شعاره وإسعاد جمهوره، وأنقلب ما بعده ليصبح – بكل أسف – يموت كل شيء في النادي من أجل أن يحيا رؤساؤه وأعضاء إدارته، وهناك شهادات موثقة ستبقى تذكّر أحفاد الزوراء بعد مئة عام أو ما شاء الله عن تلك الحقيقة الموجعة.
فقد أشهر رئيسه الأسبق أحمد راضي الإفلاس بعد سنة من توليه المنصب، وأعلن أنه في حال إكتفت وزارة الشباب والرياضة بالصمت سنوصد أبواب النادي ونذهب الى بيوتنا ، ولم يرفض أية مبادرة لحلحلة الازمة ولعل أهمها إقدامه على بيع قطعة الأرض العائدة للزوراء في مدينة النجف بمبلغ زهيد لتسديد مستحقات اللاعبين ومدربيهم، وواجه اتهامات عدة عن عدم قانونية البيع ومجهولية مصير الأموال المستحصلة وضعت ملفه على طاولة هيئة النزاهة عام 2008 قبل ان يُقدّم الوثائق الرسمية التي تؤكد سلامة ما قام به.
ولم تنته أزمة إفلاس الزوراء مع أحمد راضي فقد عرّضته الى فضيحة إعلامية تشضّتْ مدياتها محلياً وخليجياً وآسيوياً عندما نشرت مجلة " سوبر" الإماراتية في عددها يوم 28 شباط 2007 حواراً مثيراً لراضي تحت عنوانين بارزين مُستلّين من حديثه مع الزميل عزالدين الكلاوي " مباريات الدوحة ليست بالمجان " و" الريان دفع لنا كاش قبل قرار الاتحاد الآسيوي" على خلفية اختيار الزوراء ملعب الريان أرضاً بديلة بسبب الحظر الدولي على ملاعبنا مقابل تقاضي راضي مبلغاً لتمشية أمور الفريق في دوري أبطال آسيا ما أثار حفيظة فريقي الوحدة الإماراتي والعربي الكويتي المنافسين في المجموعة ذاتها إلا أن راضي فنّد الأمر جملة وتفصيلاً وعدّ اختيار الدوحة أمراً طبيعياً ينسجم مع متانة العلاقة مع مسؤولي نادي الريان ولا صحّة لشبهات المساومة مالياً.
رحل راضي، وجاء سلام هاشم مُحمّلاً بتبعات حقبة سلفه في الأزمة نفسها التي لم يجد تدبيراً مَخلَصاً منها سوى بيع مولدة النادي العاطلة لسنين عدة في السوق المحلية بموافقة ستة من اعضاء الإدارة اجتمعوا لتوثيق الإجراء الرسمي وتم منح المبلغ الى مدرب الفريق عصام حمد لتوزيعه على اللاعبين، وصراحة لم يتمكن هاشم من مقاومة الإفلاس برغم سعيه لترسيخ تقاليد نموذجية في النادي سرعان ما واجه مصيراً غامضاً لم يجد له تفسيراً باصدار وزارة الشباب والرياضة قراراً بحل الهيئة الادارية، وتم فك طلاسم هذا الإجراء لاحقاً بتمهيد الطريق للرئيس الحالي فلاح حسن ليتسنم المسؤولية بعد اعلانه إنهاء غربته والعودة الى أرض الوطن.
لم يكن درب حسن معبّداً بالورد فهو الآخر تجرّع مرارة الخيبة كأني أراه لم يُفقْ من الصدمة لما رآه بأم عينيه وتبخّرت أحلامه التي حدثني عنها اثناء اتصال هاتفي من مدينة ميشيغان الأميركية خصّ المدى برؤيته قبل العودة الى بغداد نشر يوم 15 أيلول 2008 أكد فيه ( سنكون سعداء جداً ولا يهمنا إن كنا على مسرح الانتخاب أو غيرنا طالما النيّات سليمة ومصلحة العراق تتصدر لائحة أجندتنا في السنين المقبلة ) وإذا بالرجل يجد إدارته بعد سنة من عملها بلا مأوى، فقد لقي مقر نادي الزوراء مصيراً مؤسفاً بتحوله الى "خربة" منذ 22 كانون الأول 2011 يوم باشرت شركة إيرانية بهدمه لتعيد تشييده وفق تصاميم حديثة مقابل 55 مليار دينار بسقف زمني مدته سنتين، وها هو ملعب العطيفية لم يبق منه سوى ذكرى المكان بعدما أكمل أربع سنوات وستة أشهر ولم يزل تحت (وقف التنفيذ)!
كل شيء يهون على الإنسان بيعه من أجل أن تبقى مهابته مصانة، إلا موطن تاريخه وآثار رموزه ، فمن يعيدُ لهؤلاء كرامتهم؟!
كرامة الزوراء وإفلاس الرؤساء
[post-views]
نشر في: 2 يوليو, 2016: 02:38 م