جرياً على عادتها التي يبدو أنها قد أصبحت قانوناً راسخاً، أمسكت المحكمة الاتّحاديّة العصا من الوسط هذه المرّة أيضاً لتُرضي كلَّ الأطراف في السلطة، أو بالأحرى الطرف الأكثر نفوذاً، الحكومة، كيما لا يتوجّع لها رأس ولا يتعكّر مزاج ولا تتضرّر مصلحة.
قرار المحكمة الأخير المتعلّق بشبكة الإعلام العراقي يُحقّق للحكومة ما تريده وترغب فيه وظلّت تحلم به، بل يُكرّس الأمر الواقع الذي فرضته الحكومة على الشبكة منذ يوم تأسيسها.
شبكة الإعلام في الأساس أُنشئت بوصفها هيئة مستقلّة، أي حُرّة من كلّ نفوذ لأيٍّ من السلطات الثلاث.. تحكم نفسها بنفسها وترسم سياستها بنفسها وتنفّذها بنفسها.. وفي الأساس أيضاً رُسم للشبكة أن تكون كذلك لـ " إيجاد آلية للحوار العام تكون مستقلة وغير منحازة وتكون بمثابة وسيطٍ يعمل على نشر مفهوم التعدديّة والتنوّع، وتكون كذلك أداة لتشكيل هويّة وطنيّة بنّاءة في متناول جميع سكان العراق"، كما جاء في أمر سلطة الائتلاف رقم 66 (2004) الذي شدّد على أنه "تعني عبارة (الاستقلال) القدرة الماليّة والتحريريّة والإداريّة على ممارسة العمل من دون الخضوع لتأثير أو سيطرة الحكومة أو لتأثير أيّة مصالح خارجيّة غير ملائمة"، وهو ما انعكس بالنصّ تقريباً في قانون الشبكة المُشرّع في العام الماضي، إذ يُعرِّف الاستقلالية بأنها "القدرة الماليّة والتحريريّة والإداريّة على ممارسة العمل، بما ينسجم ويتناسب مع خصوصية العمل الإعلامي، ومن دون الخضوع للمؤثّرات الخارجيّة أو النوازع الذاتيّة أو الانحيازات الشخصيّة، بشكلٍ محايد".
وبهذا فإنّ الشبكة رُسم لها في الأساس أن تكون مستقلّة ماليّاً وتحريريّاً وإداريّاً عن أيّ سلطة في الدولة وبخاصة السلطة التنفيذيّة. أكثر من هذا إنّ المادة الثانية من قانون الشبكة يربطها بمجلس النوّاب ولا يتضمّن أيّ صلة لها بالحكومة: "تؤسَّس هيئة مستقلّة بموجب المادة (108) من الدستور العراقي تُسمّى شبكة الإعلام العراقيّ (....) وتعمل طبقاً لمبادئ الاستقلاليّة والشموليّة والتنوّع والتميّز، وتعكس القيم الديموقراطيّة والاجتماعيّة والثقافيّة والإسلاميّة للمجتمع العراقيّ وترتبط بمجلس النوّاب".
على الدوام كانت المشكلة الأكبر للشبكة منبثقةً عن سيطرة الحكومة عليها عبر تعيين رئيسها ومديرها العام (بالوكالة)، فتحوّلت بذلك من هيئة مستقلّة أو هيئة دولة إلى هيئة حكوميّة. ونجحت الضغوط من داخل الشبكة ومن الوسط الإعلامي في تشريع قانون للشبكة يضمن قدراً معقولاً من الاستقلاليّة لها بما يفترض أن يجعل منها هيئة تعمل فعلاً على "بناء إعلامٍ حُرّ ومستقل يتّسم بالمهنيّة والنزاهة والحياديّة والشفافيّة، يخدم المصالح العامّة للشعب العراقيّ ويُعزّز وحدة أبنائه" ويؤدّي دوره "في بناء مجتمع ديمقراطيّ"، كما جاء في الأسباب الموجبة لسنّ قانون الشبكة.
لكنّ قرار المحكمة الاتحاديّة ينسف هذا كلّه،إذ يجعل أمر اختيار أعضاء مجلس الأُمناء، أي الإدارة العليا للشبكة، في يد السلطة التنفيذيّة، وفي هذا نسف لاستقلالية الشبكة، لأنّ أعضاء المجلس سيكونون تابعين لمن يختارهم، السلطة التنفيذية ومن خلفها القوى والأحزاب المؤثّرة فيها، وبهذا لن تكون الشبكة مختلفة عن سائر دوائر الحكومة.
فمن ذا الذي يضمن ألّا يسعى رئيس الحكومة، أي حكومة، وأعضاؤها، ورئيس الجمهوريّة، أيّ رئيس جمهوريّة، ونوّابه لتعيين صنائع لهم ولأحزابهم على رأس الشبكة، كما هو حاصل منذ اثنتي عشرة سنة؟
قرارٌ يُكرِّسُ تبعيّةِ شبكةِ الإعلام
[post-views]
نشر في: 2 يوليو, 2016: 06:33 م