عودة الوزراء المبعدين عن مناصبهم بإجراءات "الثورة الاصلاحية" الى مزاولة اعمالهم كشفت عن الموالين والمعارضين لصاحب المعالي. في قرار الإبعاد هناك من وزع الحلوى بالمناسبة وعساها روحة بلا ردة ورمى سبع حجارات ، وآخر انتابه الحزن ودخل في حالة من الاكتئاب النفسي واصبحت الدنيا بنظره "سودة مصخمة" لإبعاد الوزير عن منصبه لأنه لا يتمتع بمواصفات التكنوقراط . الخنادق في الوزارة انتقلت الى مديرياتها ، وكل جهة تمترست في مواضعها الدفاعية او الهجومية بانتظار خوض المنازلة التاريخية حين يعود الوزير، وما ان تعبر قدمه اليمني عتبة الباب حتى تنطلق الهلاهل ، على عناد العواذل ، ثم يستقبل المهنئين بالعودة ، اثناء ذلك تدور الاحاديث ، تشتغل "منظومة النفاق" بأقصى طاقتها فيتبرع احدهم في طرح الموضوع من خندقه:
- صاحب المعالي ، مدير عام دائرة كذا ، أقام وليمة لمناسبة صدور قرار ابعادك من منصبك وحضرها. يعدد مشغل المنظومة الاسماء ، مع شرح مفصل عما دار في الجلسة ولماذا كان بعض الموظفين سعداء جدا بشمول وزيرهم بالحزم الإصلاحية .
مثل هذه المشاهد مألوفة في جميع المؤسسات الحكومية. المتبرعون بتقديم المعلومات الى مسؤوليهم على استعداد للإجابة على كل شاردة وواردة .الاهتمام بهذا الجانب يستغل معظم ساعات العمل، والبقية تتوزع بين تناول الفطور ووجبة خفيفة قبل الغداء واداء صلاة الظهر. استنادا الى هذه الأسباب وغيرها توصلت وزارة التخطيط الى حقيقة وردت في بياناتها اكدت ان العمل الفعلي للموظف في معظم المؤسسات الرسمية في اليوم الواحد عشر دقائق فقط . في ضوء ما اعلنته الوزارة فإن المراهنين على عملية البناء والإعمار وتطوير الأداء الإداري يتحتم عليهم انتظار ظهور مذنّب هالي بعد نصف قرن لإنجاز مشروع الحكومة الالكترونية.
في خمسينات القرن الماضي حصل احدهم، وكان يحمل الشهادة الابتدائية، على وظيفة في دائرة البريد لكونه شقيق زوجة أحد الوجهاء من باشوات ذلك الوقت. في اليوم الثاني لدوام الموظف الجديد نفش ريشه على زملائه بوصفه مقربا من الباشا ، وادّعى انه يتكلم بالاضافة الى العربية التركية والفرنسية والانكليزية . في احد الايام زار وفد بريطاني الدائرة فطلب مديرها من الموظف ان يقوم بمهمة الترجمة . في لحظة دخول الوفد ، توجه صهر الباشا الى الحمام ليتوارى عن الانظار ، وطالت اقامته الى ان طرق عامل الخدمات الباب قائلا : استاذ اطلع من المرحاض راح الوفد . اضطر المترجم ان يعالج خيبته بشراء كيلوغرامين من كعك السيد وقام بتوزيعها بين الموظفين.
محمد سعيد الصحاف وزير خارجية النظام السابق سبق ان تولى منصب مدير مؤسسة الاذاعة والتلفلزيون، وفي قرار مفاجئ مطلع السبعينات أبعد من منصبه ، فقام احد الموظفين بتوزيع الحلقوم بين الموظفين. بعد ايام قليلة صدر قرار باعادة الصحاف الى منصبه فقام ذلك الموظف بتوزيع حلوى "من السما" !ّ.
هذا النموذج حاضر وفاعل اليوم في المؤسسات الرسمية، يجيد ثلاث لغات، ومسح الاكتاف.
"من السما" لمعاليه
[post-views]
نشر في: 3 يوليو, 2016: 09:01 م