فعلَ خيراً رئيس الوزراء حيدر العبادي بزيارته أمس منطقة الكرادة ببغداد، حيث موقع التفجير الإرهابي الذي أودى بحياة أكثر من مئة وخمسين شخصاً فضلاً عن عدد أكبر من المصابين، في واحدة من أكثر العمليات الإرهابية فظاعة التي شهدتها بغداد في السنوات الأخيرة.
فعلَ العبادي خيراً بهذه الزيارة، لأنّه أتاح لنفسه ولسائر أفراد الطبقة السياسيّة الحاكمة فرصة نادرة للتعرّف إلى موقف الناس منهم وشعورهم حيالهم، بعيداً عن المواقف والمشاعر المزيّفة التي يفبركها الإعلام الحكوميّ. الموقف الحقيقيّ جرى التعبير عنه أمس برشق موكب العبادي بالحجارة وتشييعه بالشتائم واللعنات. شخصياً لا أُحبّذ هذه الطريقة لـ "الحوار" بين المحكوم والحاكم، وبخاصة التعبير بلغة الشتائم، لكنّني بالتأكيد أتفهّمها وأعذر من يلجأ إليها، بعدما يستنفد كلّ الطرق الأخرى للتعبير ويضيق ذرعاً بكلّ شيء ويفقد الأمل بالحلّ المرتجى.
العبادي، ابن الكرادة، استقبله مواطنو منطقته بما رأوا أنه يليق به وبالطبقة السياسيّة الحاكمة برمّتها، في تعبير غاضب وعاكس لوجع مُمضّ مزمن، وكافر بالعمليّة السياسيّة التحاصصيّة ومخرجاتها الكارثيّة.
ليس من المتوقّع أن يُعلن السيد العبادي عن استقالته بعد الذي جرى له أمس في الكرادة. ولن نتوقّع أن يستقيل وزير الداخلية أو قائد عمليات بغداد أو حتى مدير الأمن أو الاستخبارات في الكرادة، فثقافة الاستقالة وتحمّل المسؤولية غائبة ومغيّبة في تقاليد وأعراف الطبقة السياسيّة الحاكمة في هذه البلاد. ولن نتوقّع أيضاً أن يفتح رئيس الحكومة، بعد الذي جرى له أمس، ملفّات الفساد المُغلقة المتعلّقة بأجهزة الكشف عن المتفجّرات وسواها من أنظمة حفظ الأمن. فتحُ هذه الملفّات سيعني كشف المستور، وكشف المستور سيقود إلى محاسبة ومحاكمة قيادات في حزبه وفي ائتلافه الأصغر، دولة القانون، والائتلاف الأكبر، الوطني. العبادي إنْ فعل ذلك إنما يفتح أبواب جهنّم عليه، وهو، كما غيره، لا يرضى بغير الجنّة مأوىً ومستقرّاً.
في هذه المساحة بالذات كتبتُ منذ أشهر ناصحاً الحكومة وعموم الطبقة السياسيّة المتنفّذة بعدم المراهنة على الوقت وتراجع زخم التظاهرات، وبعدم التوهّم بأنّ خيبة الأمل المديدة يُمكن أن تقود الناس إلى الاستسلام، وقد حذّرتُ صراحة من ثورة شعبيّة غير منضبطة.
ما حدث في الكرادة أمس لموكب رئيس الوزراء مؤشر إلى أنّ الوضع قد بلغ درجة الغليان، وأنّ الأمور يمكن لها أن "تفلت" على نحو غير محمود، ما يتطلّب صحوة حقيقية.
العملية السياسيّة القائمة استهلكت، ونظام المحاصصة انتهى مفعوله، والخطاب الطائفيّ صار ممجوجاً وكريهاً. هذا ما يتعيّن على العبادي والطبقة السياسية المتنفّذة أن يدركاه. عليهما كذلك أن يدركا أنّ التمسّك بهذه العملية وبنظام المحاصصة وبالخطاب الطائفيّ إنما يدفع باتجاه الانفجار العظيم الذي تجلّت بوادره في اقتحام المنطقة الخضراء على نحوٍ فوضويٍّ قبل أسابيع، وفي استقبال رئيس الوزراء بالحجارة والصيحات في الكرادة أمس.
و"قد أُعذِرَ مَنْ أنذر، وأنصفَ مَنْ حذّر"، كما قالت العرب قديماً.
معنى استقبالِ العبادي في الكرّادة
[post-views]
نشر في: 3 يوليو, 2016: 06:16 م
جميع التعليقات 2
بغداد
أستاذ عدنان حسين هذا الدمار الذي حدث في العراق على يد من ؟ الم يكن كله على يد عملاء امريكا وملالي ايران الاحزاب الاسلامودموية الشيعية والسنية كحزب الدعوجية وحزب اخوان الشياطين وهل من عاقل وذو بصيرة من ينكر جرائمهم فالعميل والخائن لايمكن ان يتنازل عن دوره
نبيل يونس دمان
امام العبادي طريقين: اما الانسلاخ من شرنقة الدين وحزب الدعوة، او الاستقالة الفورية. وبغير ذلك هناك حل يفرضه الشعب الصابر الجريح سليل الحضارات، وكما نقل كاتب المقال الصحفي عدنان حسين ما قالته العرب و قد أُعذِرَ مَنْ أنذر، وأنصفَ مَنْ حذّر