اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مسرح > التقنيّة الرقميّة والمسرح

التقنيّة الرقميّة والمسرح

نشر في: 12 يوليو, 2016: 12:01 ص

|  1-2  |شكلت التكنولوجيا الرقمية بوسائلها التقنية التي تمثلت في مختلف النشاط البشري الملمح الأبرز من ملامح العصر بحضورها حضوراً مستمراً في مجالات الحياة، وأبواب العلم وحاجات البشر، كونها احتوت على صعُد المعرفة كلها, فاخترقت وسائلها كل القي

|  1-2  |

شكلت التكنولوجيا الرقمية بوسائلها التقنية التي تمثلت في مختلف النشاط البشري الملمح الأبرز من ملامح العصر بحضورها حضوراً مستمراً في مجالات الحياة، وأبواب العلم وحاجات البشر، كونها احتوت على صعُد المعرفة كلها, فاخترقت وسائلها كل القيم الإنسانية، وأحدثت تأثيراً في المصفوفات القيمية، نحو تحولات جذرية في شتى مجالات الحياة، ما أدى إلى إفراز مفاهيم حداثوية حول فنون المجتمعات المعاصرة، إذ يعيش العالم اليوم مرحلة جديدة في التطور التقني امتزجت فيه ثلاثة محاور هي (المعلومات, والاتصال, والحاسبات),

 وأنَّ التكنولوجيا الرقمية, أو كما يسميها البعض بثورة المعلومات بكل عجائبها, وما جلبته من تغييرات جذرية لهي أمر حتمي جعل الإنسان يمتلك أفكاراً ورؤىً تختلف عما كانت رؤيته بالماضي, وأثرت على نشاط وسلوك الإنسان, ولم تقتصر تأثيراتها على البيئة والعالم المادي, بل تعدت لتشمل مفهوم الإنسان وإدراكه للفضاء وانتمائه فيه حتى أخذت تركز فيها الجهود وتسخر لها الإمكانيات وتعد لها الستراتيجيات، لما لها من دور فعال في حل المشكلات والمعضلات التي تجابه الإنسان في حياته اليومية. إنها وسيلة من وسائل الإنسان في ممارسة عاداته ومختلف أنواع سلوكه، وطريقة في التعبير عن ميوله وقيمه، وعن نظرته إلى الكون والحياة.
إنَّ ما يربط التكنولوجيا بالفن هو الصفة الجمالية التي تتصف بها العملية الفنية عن طريق تحويل الكامن إلى الظاهر، إذ نشهد أنَّ الإنسان التكنولوجي إذ يقف طويلاً ومراراً عند الجانب الجمالي, وكيفية إضفائه في العملية التصميمية والتنفيذية في آن واحد. في ذلك يجمع علماء الفيزياء في القرن العشرين على أنَّ (الجمال هو المقياس الأساسي للحقيقة العلمية) ، والتي تكشف عن نفسها بتحول الحقيقة إلى موضوع للفعل الإجرائي الخلاق، والذي يستند إلى بديهيات الحقائق بإحلال بديهيات محدثة تتموضع في نسق المفاهيم مكملة التطور التاريخي للمسعى العلمي الإنساني،هذا من جهة، ومن جهة آخرى فإنَّ الجمال نفسه يمهد الطريق إلى الوضوح والقناعة، بما يجسده من تمثل قيمي ومفاهيمي في الفعل الإنساني، كما في محاولات التجريبيين في إضفاء طابع البرمجة العلمي على الجمالية , وعلى الرغم من أنَّ مبدأ الجمالية على الأقل من الناحية المنهاجية، هو علم وضعي في المقام الأول، بمسعاه لمقاربة تجربة العمل الفني وحضوره في حيز الوعي الإنساني كتجربة جمالية، مع البنى العلمية القائمة على الحقائق والبديهيات، لخلق فروض تجريبية تنتهي بالإثبات لأبعاد تجربة العمل الفني في ميدان حضوره وفي واقعه الإجرائي، وبالمحصلة النهائية أنَّ البحث الجمالي يركز في  اهتماماته على الكشف عن الحقائق الخاصة بالفنون، والعمل على تعميمها، فضلا عن دراسة ما يتصل بهذه الفنون من قوى وفعاليات إنسانية.
وبما ان  الكمبيوتر هو من تقنيات التكنولوجيا الرقمية  لذلك يعد مصدر المحايثة الجمالية عبر وسائط التعبير, فمن الطبيعي أنْ تكون هناك عناصر جمالية في صميم التكنولوجيا نفسها، بوصف الأخيرة الوسائل الخاضعة لإرادة بقصد تحقيق غايات بعينها، أيّ هي ستراتيج العقل العلمي في برمجة العالم الطبيعي ضمن رؤية نقل العالم موضوعياً من الطبيعي إلى الإنساني، فكانت المفارقة بانتقاله لاحقاً إلى الأداتي التكنولوجي، وهو حاصل مشروع الحداثة التاريخي المتجلي في القرن العشرين، فالتكنولوجيا كما يرى الفيلسوف (تيودور أدورنو)  بنزعتها التجريدية لكل ما هو إنساني أصبحت الأسطورة المعاصرة، ومن ثم تفشي قيمها في المثال الجمالي الذي يطرحه العصر الحديث).  ومن هنا كان بديهياً الاحتفاء بعناصر التكوين بوصفها منطق الإنشاء من الوجهة التكنولوجية التي تهدف إلى الإشباع الحسي في عملية التجربة الجمالية, ومن ثم مغايرة نظم التلقي للعمل الفني، من القيمي الأخلاقي إلى المجرد عبر النظام والتنوع والحركة واللون، والتي تعني الجمال بذاته، لتمثل قيماً جمالية مجردة تحضر في  المبتكرات الفنية .
إنَّ حتمية العصر التكنولوجي جعلت من التقنية الرقمية المعاصرة وسيطاً حيوياً للحياة بعد أنْ كانت حياة الكائن البشري متعلقة بالبعد الطبيعي المادي كواقع له، لتأتي التقنية الرقمية واقعاً مجاوراً ، هو واقع افتراضي، تحول إلى واقع مفرط بسيل البيانات والقيم التي يتعرض لها الذهن البشري المتفاعل مع القيم الزمانية والمكانية، والموضوعية التي شكلت فضاءه الحيوي للتواصل والتفكير, وحتى الخوض في تجربة جمالية التي تطرحها وسائل التصميم الفني لشكل الوسائط التفاعلية ، بقيم الحركة واللون والإيقاع، والتنظيم والتناسب، فضلاً عما تفرزه من محاكاة للتواصل الطبيعي المادي للإنسان, وهي تستند إلى أطر التجربة الجمالية بمستوياتها الواعية  واللاواعية ، إذ ان الأخيرة التي تتلقى في فضاء اللاوعي لإشارات تنظيم وبرمجة يتعرض لها الذهن لا شعورياً تمثل اللاوعي الجمعي لعمل المؤسسة في إدارة المجتمع عبر (استحداث روابط تماسكية جديدة، ودقة واتساق في الممارسة، أي بعبارة مختصرة ، عبر تكتيكات عامة لإدارة الذهنيات) ، وهو ما يوصل إلى واقع أنَّ ممارسة العيش للإنسان المعاصر ارتبطت بأنساق تأسيسية مفترضة نسبة إلى عالم افتراضي تعويضي، ومحاكاتي بنفس الوقت للواقع عن طريق وهم التفاعل، أخذت تهيمن على معرفيات العصر فأصبح الكمبيوتر والانترنيت واقعاً افتراضياً أستطاع أنْ يكسر حاجزي الزمان والمكان ، وهذا الواقع يأتي موازياً تماماً للواقع الطبيعي الذي يحياه فعلاً ومؤسساً لمفهوم الإنسان الافتراضي بوصفه الإنسان الذي يتعامل مع هذا الواقع وهو جالس في بيته أمام جهاز الكمبيوتر منفتحا على العالم الإفتراضي عن طريق شبكة الإنترنيت وبدأت التكنولوجيا الرقمية الحديثة تعرض نفسها على جميع مناحي الحياة ، وبالتالي تزايد إيقاعها الرقمي على نحو أشد وطأة من ذي قبل ، حتى صار المجتمع الافتراضي واقعاً مفرطاً على الحياة اليومية.
لذلك فإن معظم النتاجات المسرحية باتت تعتمد في إنتاجها اليوم على التكنولوجيا الحديثة عن طريق الكمبيوتر الذي يعد الآلة التقنية الوحيدة القادرة على خلق أشكال جديدة غير مألوفة, إذ يقوم على أساس فرضية وليس على أساس مادة موجودة بالواقع, وتصبح للكمبيوتر القدرة على إلغاء الحقيقة وخلق ،بدلاً عنها فرضياً، مادة جديدة تصبح في جوهرها هي الحقيقة, وهكذا يمكن القول أنَّ المحاكاة تمتلك أنموذجا مفاهيميا مغايراً عما كانت عليه, فهي باتت تأخذ الافتراض الثالث أصلاً لها فإذا كانت :
1. الطبيعة افتراض تشبيهي عن مثال أصل.
2. كان الفن افتراضاً تشبيهياً عن الطبيعة.
3. وكانت التكنولوجيا الرقمية افتراضاً مضاعفاً على افتراض الفن.
إذ أنَّ التطور التكنولوجي في العصر الحديث له الأثر الكبير, فهو يساعد في توظيف السينوغرافيا لصناعة الصورة المشهدية التي تتلاءم مع متطلبات اللحظة التاريخية المعاصرة, وبما أنَّ المسرح يشكل الوعي الجمعي عن طريق التعبير عن أفكاره ومضامينه ومواقفه سعى إلى استعمال التكنولوجيا, لكي تكون كأداة من أدوات الفعل الإبداعي كونها فاتحة لفضاءات تفكير جديدة تمكن المسرح من زيادة زخم خطاباته، وكفاءاتها في خلق مستويات تواصل عدّة واعية ولا واعية عبر ما توفره تكنولوجيا التقنيات الرقمية من مجموعة من الأدوات والمعارف والمهارات اللازمة, لتحقيق إنجاز معين ممن تشكل أسس, أو قواعد التكنولوجيا, وأنَّ ظهور الكمبيوتر والعالم الرقمي يعد من الإنجازات الفاعلة والمتفاعلة مع العرض المسرحي, والتي تدفع بمكوناته إلى الأمام من حيث التوظيف والجمال, وكل هذا التحديث في التقنيات انعكس بشكل مباشر, أو غير مباشر على جميع قطاعات الفن والثقافة ، الأمر الذي سيجعل من العرض المسرحي أنْ يتفاعل مع هذه المتغيرات التقنية من أجل صناعة سينوغرافيا تستطيع أنْ تصنع الدهشة البصرية بما يحتاجه المتلقي في العرض المسرحي الجديد، وأفاد المسرح المعاصر من التقنية الحديثة والمتمثلة بالتكنولوجيا الرقمية بشكل جيد, وذلك عن طريق المزاوجة بالعمل بين برمجيات الكمبيوتر, وسينوغرافيا العرض المسرحي ولا سيَّما على المستوى الحسي والبصري,   فأطلق على المسرح الذي يتعامل مع هذه التقنيات وبحسب إستعماله لهذه التكنولوجية الرقمية المتمثلة بالكمبيوتر وبرمجياته  بالمسرح الرقمي أو المسرح الافتراضي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الرافدين يطلق رواتب المشمولين ضمن شبكة الحماية الاجتماعية

بالوثيقة.. التعليم توضح بشأن توسعة مقاعد الدراسات العليا

العدل تعمل على خطة تجعل من النزلاء يكملون دراستهم الجامعية

ارتفاع بمبيعات الحوالات الخارجية في مزاد المركزي العراقي

رسمياً.. أيمن حسين يوقع على كشوفات الخور القطري

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

المكتبة المسرحية: ثلاثة أعمال مسرحية للكاتب أحمد إبراهيم الدسوقي

سلطة المسرح ومسرح السلطة في العراق

المخرج المسرحي وخلفيته الثقافية

نقد الرياء الديني في مسرحية طرطوف لموليير

حول مسرحية تشيخوف الكوميدية (الدب)

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram