كان عماد في ذلك الوقت لا يملك من رصيد الأيام إلاّ عشرين عاماً قضى نصفها يعمل في محل والده في المساء ويدرس في النهار، وحين قرّر أن يذهب مع أصدقائه للمشاركة في مراسيم عزاء الإمام " الكاظم "، لم يدر بخلده أنه سيصبح فريسة لدجلة ، وأنه قبل أن يلفظ أنفاسه سيرى أُمّاً تتشبث بقطعة خشبية بذراعها اليمنى، بينما حاولت أن تسيطر باليسرى على رضيعتها وظلّتا طافيتين بين الأمواج، تهادنهما حيناً وتصارعهما أحياناً أخرى، لكنّ الصغيرة لفظت أنفاسها بعد أن ابتلعت مياه النهر جسدها الصغير، وقتها رضيت الأُم بأقلّ الأحلام الممكنة أن تخرج بجثة رضيعتها لتدفنها، في ذلك الوقت كان عماد يصارع الموت، الذي سحبه إلى جهة مظلمة .
رقيّة محمد، الصبيّة الجميلة التي لم تتجاوز العاشرة من عمرها، كانت تتجول في المجمّع التجاري، حين فتح الجحيم كل ابوابه، شاهدت أُمها وشقيقها يصارعان النار للخروج ، نظرت إليهم وهم يختفون وسط الظلام ، سمعت نداء أُمها توصيها أن تتجنّب اللهيب، فبشرتها الرقيقة لاتتحمل، لكن النار لم تتركها، إلّا بعد أن أكلت أجزاء من جسدها، قبل أن تعبر إلى برّ الحياة، وحيدة ومشوّهة !
على رصيف الأحزان افترشت أُم سعد الأرض المبلّلة بدموعها تنتظر من يردّ الحياة إلى قلبها المفجوع، سألت الجنود القادمين من جبهات المعركة، عن ابنها الذي لم تسمع أخباره منذ شهور : قالوا لها إنّ المعركة كانت صعبة جداً، قالت: أريده حتى لو كان جُثّة هامدة ، كان جوابهم : الأمر صعب، رفضت الأم الثكلى الاستسلام، وجلست أمام المعسكر تنتظر سعد أن يعود حياً لتحضنه، أوجثة تدفنها وتعرف مكان القبر، كي تزوره كلّ خميس !
أمام المقبرة، التي تضم قبور مئات الضحايا مجهولي الهوية، يقف الصغير محمد، وأُم عباس، وسعاد، والرجل الستينيّ ، ومعهم مئات آخرون يقرأون فاتحة واحدة أمام شواهد قبور بلا بيانات، لا أحد منهم يعرف قبر مَنْ يقرأ له الفاتحة، وهل هو في قاع دجلة أم تحول إلى شطايا في أحد الشوارع ، أُم تبخّرجسده في الهواء وما بين المقبرة وشاطئ جسر الأئمة وعمارة الانباري، وسوق الصدرية وشارع عريبي في مدينة الصدر، وما تبقى من تلال السدة القديمة وتقاطع سينما البيضاء في بغداد الجديدة، وأطراف الفلوجة كان الجميع يوقد الشموع، وكلّ منهم يؤمن بأنّ هناك إ لهًا عادلاً سينتصر للضحايا والمظلومين، وسيمنح الآباء والأُمّهات الصبر، لكنه لن يجعل أياً منهم ينسى الألم وهو يشاهد مَن يتاجر بمأساته، ويسترزق بمحنته . أرجوكم تذكروا ضحايا الخلافات السياسية، وقتلى الكواتم، تذكّروا مئات الآلاف من العراقيين، لم يجدوا كفَّناً غير مفخّخة أو رصاصة صامتة، تذكروا خمسة ملايين عراقي يفترشون الخيام ، تذكروهم كلّما يخرج أبو درع يهتف لبّيك ياعلي، وكلما قالت لقاء وردي إنّ التغيير سلبَ الحُكْمَ من السُّنّة !
في المأساة : أبودرع " بطلاً" .. لقاء وردي " مناضلة"
[post-views]
نشر في: 11 يوليو, 2016: 06:38 م
جميع التعليقات 5
محمد سعيد
ضحايا من كل حدب صوب ولا نعلم بتاتا دوافع التضحية... هل هو انتحار او فداء لا هل البيت بعدما تعالت صيحات اللطم والعزاء المستديمة والتي تحولت الي نبراس حياه معظم العراقيين في ظلم حكم الاحزاب الدينية والطائفية والأثنية المتزمت بالمقابل اثارني م
بغداد
استاذ علي حسين ايها الكاتب الأنساني صاحب الضمير قليل من امثالك اليوم يتذكرون تلك المأسي المستمرة بدون توقف في العراق !!! يا للعجب وهي كالطامة الكبرى ان بخرج هذا البعبع السبير الإحتياطي الخطير ابو درع عند اشتداد الأزمات على السفاحين المجرمين محكومة الطا
بثينة
ذكرتني بقصيده منها هذه الابيات وطني أكلتهُ الحرب نصفُ بلادي في المنفى و النصفُ الثاني أخبارٌ أسمعُها بالجوّال أوَ تسألني كيف الحال؟ حتى الشّمسُ هنالكَ صارت تتعثرُ بالجثثِ المجهولةِ والجثثِ المحروقةِ والليلُ غريبٌ نامَ على الآهات وما اغمض عينا
ابراهيم الشمري
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم. .الاستاذ الفاضل المجرم الذي ذكرته ابودرع محمي ﻻنه من أحباب المجرم نوري المالكي متى أجرم ابو درع وقتل المئات وربما اﻵلاف ؟ أليس في عهد نوري المالكي؟ فإذا كان الجبان حيدر العبادي ﻻ يستطيع فعل شيء لنوري المالكي
علياء البصري
نحن في زمن الاصطفافات الطائفية، ثكالى الكرادة استقبلن ابو درع بالشموع والصرخات ليثأر لأولادهن في حين قذف رئيس الحكومة بالحجارة والنعل، الصورة قاتمة ولا مستقبل حضاري للعراق مادام متوسطا دولتيين متطرفتين، وسيبقى أبو درع نموذجا يحتذى وستبقى المدام (وردي) إنم