TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > فول ولطميّة

فول ولطميّة

نشر في: 12 يوليو, 2016: 09:01 م

الطعام المصري الشهير "فول وطعمية" عرفه العراقيون عن طريق المسلسلات التلفزيونية والسينمائية  ثم تناولوه في سنوات فرض العقوبات الاقتصادية على العراق بعد غزو الكويت.   ربّات البيوت في ذلك الوقت، حاولن بشتى الطرق ابتكار وجبات غذائية لا تدخل فيها اللحوم مادة اساسية ، فاحتل الباذنجان المعروف شعبياً باسم "وحش الطاو المائدة اليومية ، فكان له الفضل الكبير في توفير الأمن الغذائي لأصحاب الدخل المحدود ، حيث بلغ راتب الموظف في الشهر الواحد  ما يعادل ثلاثة دولارات ،اما المتقاعد  فراتبه لايسعفه في شراء بطيخة . في تلك السنوات العجاف اضطر معظم العراقيين الى ترك وظائفهم الحكومية ، ومزاولة اعمال اخرى  لاتنسجم مع شهاداتهم ، مئات الاكاديميين من اساتذة الجامعات حولوا سياراتهم الخاصة الى "تكسيات" للحصول على دخل  اضافي يلبي نفقات متطلبات الحياة اليومية الضرورية ، الدواء حليب الاطفال ، مراجعة طبيب وغيرها . معاناة العراقيين المريرة استخدمها الإعلام الرسمي دعاية لتوجيه خطاب الى الرأي العام الدولي للضغط على مجلس الأمن لتخفيف العقوبات الاقتصادية وإنقاذ العراقيين من الانقراض.
العراقيون من مواليد عقد الخمسينات، قسموا سنوات أعمارهم  الى ثلاث مراحل تبدأ بعد انتهاء الدراسة  الجامعية ، المرحلة الاولى ان حالف بعضهم الحظ ، تمتد لثماني سنوات الحرب العراقية الايرانية ، الثانية النجاة من طريق الموت الرابط بين الكويت ومحافظة البصرة ، والخضوع مع ابناء  الشعب لعقوبات اقتصادية منذ مطلع  العقد التسعيني ، وحتى الغزو الاميركي ، اما المرحلة الثالثة بنهاياتها المفتوحة فهي معروفة ذات صفحات متعددة ، تتمثل بالقتل على الهوية ، في سنوات العنف الطائفي  مع احتمال الانضمام الى قوائم ضحايا ضحايا حوادث التفجير بسيارة مفخخة او بعبوة ناسفة محلية الصنع  ، ما تبقى من السنوات الستين   من عمر العراقي سيكون مخصصا لمراجعة الاطباء ، والالتزام بحمية غذائية ، واستذكار الفول والطعمية ، الفصول المأساوية في حياة العراقيين جعلت الكثير منهم يهاجر الى الخارج في رحلة محفوفة بالمخاطرعلى أمل الحصول على ملاذ آمن في بلاد الله الواسعة .
 بعد الاحتلال الاميركي انتقل العراقيون الى مرحلة "فول ولطميّة" . احزاب الاسلام السياسي ،حتى في مواسم الأفراح،  تدعو الجماهير الى اقامة حلقات اللطم  للتعبيرعن المظلومية، اكثر من عشر فضائيات عراقية  تابعة لتنظيمات سياسية ،  تبث مباشرة  لطميات قبل حلول موسم عاشوراء . جهات سياسية حولت ممارسة الشعائر الدينية والحزن النبيل الى نشاطات استعراضية ، اهالي الكرادة في المؤتمر الصحفي الاخير،  كانت رسالتهم واضحة مباشرة موجهة الى من يستغل أحزانهم  ليكفّ عن استعراضاته احتراماً لأرواح الشهداء ، من يسمع ، من يرى وموجات البث مسخّرة  لترسيخ مرحلة "فول ولطميّة "  .
 قطع  الجسور والشوارع العامة في بغداد  صباح أمس الثلاثاء بشكل مفاجئ جعل البغداديين "يلطمون" في يوم تموزي ساخن ، رحم الله والديه الينزع  .   

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram