الطعام المصري الشهير "فول وطعمية" عرفه العراقيون عن طريق المسلسلات التلفزيونية والسينمائية ثم تناولوه في سنوات فرض العقوبات الاقتصادية على العراق بعد غزو الكويت. ربّات البيوت في ذلك الوقت، حاولن بشتى الطرق ابتكار وجبات غذائية لا تدخل فيها اللحوم مادة اساسية ، فاحتل الباذنجان المعروف شعبياً باسم "وحش الطاو المائدة اليومية ، فكان له الفضل الكبير في توفير الأمن الغذائي لأصحاب الدخل المحدود ، حيث بلغ راتب الموظف في الشهر الواحد ما يعادل ثلاثة دولارات ،اما المتقاعد فراتبه لايسعفه في شراء بطيخة . في تلك السنوات العجاف اضطر معظم العراقيين الى ترك وظائفهم الحكومية ، ومزاولة اعمال اخرى لاتنسجم مع شهاداتهم ، مئات الاكاديميين من اساتذة الجامعات حولوا سياراتهم الخاصة الى "تكسيات" للحصول على دخل اضافي يلبي نفقات متطلبات الحياة اليومية الضرورية ، الدواء حليب الاطفال ، مراجعة طبيب وغيرها . معاناة العراقيين المريرة استخدمها الإعلام الرسمي دعاية لتوجيه خطاب الى الرأي العام الدولي للضغط على مجلس الأمن لتخفيف العقوبات الاقتصادية وإنقاذ العراقيين من الانقراض.
العراقيون من مواليد عقد الخمسينات، قسموا سنوات أعمارهم الى ثلاث مراحل تبدأ بعد انتهاء الدراسة الجامعية ، المرحلة الاولى ان حالف بعضهم الحظ ، تمتد لثماني سنوات الحرب العراقية الايرانية ، الثانية النجاة من طريق الموت الرابط بين الكويت ومحافظة البصرة ، والخضوع مع ابناء الشعب لعقوبات اقتصادية منذ مطلع العقد التسعيني ، وحتى الغزو الاميركي ، اما المرحلة الثالثة بنهاياتها المفتوحة فهي معروفة ذات صفحات متعددة ، تتمثل بالقتل على الهوية ، في سنوات العنف الطائفي مع احتمال الانضمام الى قوائم ضحايا ضحايا حوادث التفجير بسيارة مفخخة او بعبوة ناسفة محلية الصنع ، ما تبقى من السنوات الستين من عمر العراقي سيكون مخصصا لمراجعة الاطباء ، والالتزام بحمية غذائية ، واستذكار الفول والطعمية ، الفصول المأساوية في حياة العراقيين جعلت الكثير منهم يهاجر الى الخارج في رحلة محفوفة بالمخاطرعلى أمل الحصول على ملاذ آمن في بلاد الله الواسعة .
بعد الاحتلال الاميركي انتقل العراقيون الى مرحلة "فول ولطميّة" . احزاب الاسلام السياسي ،حتى في مواسم الأفراح، تدعو الجماهير الى اقامة حلقات اللطم للتعبيرعن المظلومية، اكثر من عشر فضائيات عراقية تابعة لتنظيمات سياسية ، تبث مباشرة لطميات قبل حلول موسم عاشوراء . جهات سياسية حولت ممارسة الشعائر الدينية والحزن النبيل الى نشاطات استعراضية ، اهالي الكرادة في المؤتمر الصحفي الاخير، كانت رسالتهم واضحة مباشرة موجهة الى من يستغل أحزانهم ليكفّ عن استعراضاته احتراماً لأرواح الشهداء ، من يسمع ، من يرى وموجات البث مسخّرة لترسيخ مرحلة "فول ولطميّة " .
قطع الجسور والشوارع العامة في بغداد صباح أمس الثلاثاء بشكل مفاجئ جعل البغداديين "يلطمون" في يوم تموزي ساخن ، رحم الله والديه الينزع .
فول ولطميّة
[post-views]
نشر في: 12 يوليو, 2016: 09:01 م