وفاة مناحيم دانيال

في مثل هذا اليوم من عام 1940 ، توفي مناحيم دانيال ، الشخصية اليهودية العراقية الكبيرة . فإذا ما ذكر تاريخ اليهود في العراق ، تبادر إلى الذهن اسمان لامعان هما ساسون حسقيل السياسي والوزير ، ومناحيم دانيال ، التاجرالثري وعضو مجلس الأعيان ووالد العين عزرا دانيال المتوفى عام 1953.
    أسرة صالح دانيل أسرة بغدادية قديمة من الأسر اليهودية في العراق، أصل هذه الأسرة من كرجستان (جورجيا حاليا)، اتخذت من بغداد وطنا وسكنت محلة التوراة اليهودية وامتهنت مهنة التجارة وكانت على جانب من الثروة ،ونبغ منها مناحيم صالح دانيال حيث كان من فضلاء أسرته في عصره، وعرف بالأوساط التجارية واشتهر بآرائه الاقتصادية، وكان له ميل كبير للاجتماع بالناس والتعرف عليهم، فاتخذ له مجلسا في محلة رأس القرية على نهر دجلة غربي المحكمة الشرعية ببغداد، استقبل في مجلسه أصدقاءه من مختلف الطوائف، وحديث مجلسه لا يخرج عن أحاديث التجارة والاقتصاد، وكان له علاقات تجارية مع أعيان البلد والحكومة في وقتها، وقد عين عضوا في مجلس الأعيان في العهد الملكي عام 1925م، وتوفي عام 1940م.
  ترك مناحيم دانيال العديد من الآثار والمرافق التي تحمل اسمه ، ولعل أشهرها سوق دانيال في بغداد الذي إلى يومنا بالاسم نفسه وقد شيده عام 1929 ، وقال الآثاريون إن أرض السوق كانت موقعا للمدرسة النظامية الشهيرة في العهد السلجوقي من التاريخ العباسي ببغداد . كتب عن السوق مؤخرا ما يأتي : هذا السوق أصبح شيخاً طاعناً في السن ولكن يحمل الأصالة والذوق والتراث البغدادي, ومن الأسواق القديمة في بغداد , تأريخه طويل قارب الستة عقود , شيده في أواسط أربعينات القرن المنصرم عزرة مناحيم دانيال , تلك الشخصية اليهودية البغدادية , حيث أخذ السوق منحى التخصص في الأقمشة المحلية وبدلات الأعراس ذات الخياطة المحلية أيضاً , وملابس السهرة ومواد التجميل ولوازم الخياطة وبيع السجاد الإيراني.
    كان سوق دانيال في فترة الأربعينات والخمسينات يمر بالعصر الذهبي, بسبب ارتياد السياح وطابعهُ الفني, والتجارة والصناعة المحلية المنفردة بجودتها التي كانت تنافس المنتج الأجنبي , حيث كان الصدق من أسرار نجاح السوق في التعامل وجودة المنتج , فضلاُ عن حركة السياحة , وإصرار التجار على عدم مغادرة السوق والانتقال منهُ , إذ يعني ذلك الخسارة في الأموال والخسارة في نسبة الربح لا في رأس المال . ومن أعمال مناحيم دانيال الأسواق في الحلة والكفل ونهر اليهودية في الحلة ،    عندما أصاب أرض الحلة المحصورة بين نهر الفرات وشط الحلة جدب قاتل, بعد حفر نهر( الجورجية) الذي يختلج مياهه من صدر سدة الهندية , ماراً بمدينة طويريج منتهياً جنوب مدينة الكفل, فكر مناحيم دانيال النائب في مجلس المبعوثين العثماني عام 1907 , في إيصال الماء إلى تلك المقاطعات التي يملكه ( الويسية , الرستمية , إبراهيم الخليل ,الرارنجية) فقرر بعد مشورة خبراء زراعيين أحضرهم لهذا الخصوص , أن يُحفر نهر خاص بتلك الأراضي يختلج مياهه من نهر الحلة في نقطة من منطقة الجمجمة التي تقابل مدينة بابل الأثرية.    .  
    أنجز العمل خلال سنتين وجرى الماء فيه عام 1909 م , وحمل تسمية جدول اليهودية , وما زالت التسمية ملاصقة للجدول رغم كل الدعوات لتغيير التسمية زمن النظام السابق .