أبتعد اليوم عن الموسيقى قليلاً، لأتحدث عن واحدة من أجمل أبنية العصور الوسطى في باريس التي زرتها الاسبوع الماضي. لكني لن اتجول بعيداً، فالعمارة، كما يقال، موسيقى متجمدة. البناية هي ما يعرف بالفرنسية "Sainte-Chapelle"، (أي المصلى المقدس أو الصومعة المق
أبتعد اليوم عن الموسيقى قليلاً، لأتحدث عن واحدة من أجمل أبنية العصور الوسطى في باريس التي زرتها الاسبوع الماضي. لكني لن اتجول بعيداً، فالعمارة، كما يقال، موسيقى متجمدة. البناية هي ما يعرف بالفرنسية "Sainte-Chapelle"، (أي المصلى المقدس أو الصومعة المقدسة) التي بناها سنة 1248الملك الفرنسي لويس التاسع (1214/1215 – 1270) لتحفظ فيها بعض اللقى المتعلقة بالسيد المسيح، مثل التاج الشوكي الذي وضع عليه قبيل صلبه، وقطعة من خشبة الصليب الذي صلب عليه. وبنيت داخل مجمع القصر الملكي الموجود على جزيرة وسط نهر السين في باريس القديمة. تقع البناية اليوم داخل مجمع قصر العدالة الذي يضم مكاتب لوزارة العدلية ومحاكم، وكذلك بناية من مباني القصر الملكي القديم الأصلية التي استعملت كسجن قضت فيه الملكة ماري انتوانيت آخر أيامها قبل إعدامها بالمقصلة بعد الثورة الفرنسية.
تتألف الكنيسة المبنية على الطراز القوطي من طابقين، السفلي وكان مخصصاً لنبلاء القصر، والعلوي، الأجمل، كان يرتبط مباشرة بالبلاط وهو مخصص للملك وحاشيته. أجمل ما في البناية هي لعبة اللون والضوء، فجدرانها عبارة عن شبابيك هائلة صنعت من الزجاج الملون، مما يعطيها جلالاً ورهبة. تزينها أعمدة منقوشة وتماثيل القديسين وزخارف متنوعة غنية.
عانت البناية من تقلبات الدهر، فبعد التهام الحريق محتوياتها في 1630 و1776، غمر فيضان السين سنة 1790 الكنيسة السفلى ودمر محتوياتها. ثم عاثت بها الغوغاء أثناء أحداث الثورة الفرنسية سلباً ونهبا. بعدها أصبحت البناية مخزنا للطحين وكازينو ثم مخزنا للوثائق (بين 1803 – 1837) قبل أن يرمموها ويعيدوها إلى جمالها الأصلي بين 1840 – 1868، وتعود الشبابيك الملونة إلى تلك الفترة.
وحتى لا نبقى بدون موسيقى، أعرج على عمل كتبه موسيقار فرنسي من عصر النهضة من الجيل اللاحق لجيل جوسكان دي بريه وجان موتون خصيصاً للكنيسة المقدسة، هو بيير سرتون (1510 / 1520 – 1572) الذي شغل منصب مدير الكورس في الكنيسة المقدسة منذ سنة 1536. ألف سرتون ثمانية أعمال قداس وصلتنا، وكذلك عدداً من الأغاني الدنيوية (شانسون) باللغة الفرنسية.