TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > إيثار.. واستئثار

إيثار.. واستئثار

نشر في: 15 يوليو, 2016: 09:01 م

يعصرون رؤوسهم بأيديهم ويهدرون صحتهم وحياتهم .. يهجرون الحياة الساخنة ويختارون المقاعد الباردة ويقاتلون في سبيل الاحتفاظ بها ..يعانون ويتعذبون لينالوا السلطة وعندما يملكونها يبلغون قمة العذاب، فالحرص عليها عذاب والتخلي عنها عذاب ...وفي تلك الرحلة التي يقطعها الانسان منذ خروجه من بطن أمه عارياً وحتى يتمدد في النعش عارياً ايضا ، يعيش لحظات مدجّجة بالعناء والشقاء ليبلغ القمة محاولاً التستر بأشكال وألوان وأحجام مختلفة من ورق التوت يضع بعضها على فمه واخرى على عينيه وثالثة على قلبه ، لكن عقله يظل متفتحاً ولاتدور في فلكه الا فكرة واحدة هي الوصول الى السلطة والبقاء فيها ..خلال تلك الرحلة ، يحمل الانسان ألوية مختلفة ويطلق شعارات يطرق بها القلوب قبل الآذان ويتخذ أهدافا يعد بتحقيقها وقد ينساها بمجرد اعتلائه الكرسي وقد يدعس الكثيرين بقدمه ليبلغ القمة ..
بعض اولئك الحالمين بالسلطة يعملون في سبيل هدف نزيه ، وفي النهاية يكتشفون ان هناك من يعمل في اتجاه معاكس محاولاً تدمير كل مايفعلوه وقد يعيشون لحظة انهيار كل شيء نزيه او ينفضون عنهم أفكارهم النظيفة ويضعون أيديهم في أيدي أعدائهم ، وفي أحسن الأحوال يموتون من اجل مبادئهم فيظهر غيرهم ثم يختفون ويبقى الكرسي سيداً والوصول اليه يستحق العناء ولكن ، هل فكر كل اولئك بأنهم ولدوا ليموتوا وعليهم ان ينتبهوا الى معاناة الناس وهم في طريقهم الى عُريهم الأخير ..
في بلدنا المبتلى بتعاقب عشاق كرسي السلطة والراغبين في الالتصاق به لأطول فترة ممكنة ، مازلنا نفتش عن رجل سياسة يضع مصلحة المواطن فوق مصلحته الشخصية ويضع سلامة الوطن فوق سلامته فكل من يعتلي كرسي السلطة تضيق نظرته حتى يكاد لايرى اكثر من أهداف حزبه او طائفته او قوميته ، وحين يبدأ عملية التغيير سيبدأ بإزالة أشخاص وإحاطة نفسه بآخرين من أقاربه او معارفه او شريحته ، أما عملية التنمية فستكون بتنمية موارده وتزايد أطماعه ، وحين يفكر في الإصلاح فلن يكون للقضاء على الفساد بل لترميم علاقاته مع من يدين لهم بالولاء او يدعمون مسيرته وبقاءه ملتصقاً بالكرسي !!
بعد تفجيرات الكرادة التي أعجزتنا مأساتها عن التعبير ، توقعنا أن يكف السياسيون قليلا عن خطاب التهديد والوعيد وان ينحنوا كما انحنى وزير الكهرباء الياباني عشرين دقيقة أمام اليابانيين لانقطاع الكهرباء عنهم لمدة عشرين دقيقة وأن يعتذروا ويقدموا استقالاتهم ، ولكن ، كم عاماً من الانحناء تكفي للتكفير عن تقصيرهم وإهمالهم واسترخاصهم الدم العراقي ...تمنينا ان نجد سياسياً يجيد إيثار ألم المواطنين على مصلحته ومصلحة حزبه لكن الاستئثار بالمقاعد اقوى من الإيثار ، والالتصاق بها اكثر إغراءً من مغادرتها ...ومن يتشبثون بها لايعبأون أبدا بمن سيدعسوه في طريقهم اليها ولن يهمهم تلوث ضمائرهم وخسارة نفوسهم وهم في طريقهم الى عُريهم الأخير !

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram