TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > كيف ضاعت حقائق الأمة على موائد الحُكَّام؟

كيف ضاعت حقائق الأمة على موائد الحُكَّام؟

نشر في: 29 يناير, 2010: 04:49 م

شاكر النابلسي كانت عبارة المفكر القومي المعروف منيف الرزاز : "لعـل القليل جداً من الأمم التي تعيش في العالم اليوم، تستند إلى مسلمة أقوى وأثبت وأعمق في التاريخ، من مسلمة وحدة الأمة العربية" (الأعمال الفكرية والسياسية، ج 3، ص 165) قد طمأنت المواطن العربي إلى حتمية وحدة أمته القادمة،
ووضعت في جوفه "بطيخة صيفية" كما يقولون. وأن الوحدة تحصيل حاصل، وهي على الأبواب آتية لا ريب فيها، مما جعله يركن إلى هذه الأقوال، ويخدر بها، وينام عليها، هانئاً مطمئناً بأن الوحدة "أصبحت في الجيب" مادام المفكرون العرب يقولون هذا القول، وهم الفلاسفة، والعلماء، والحكماء، وقادة الرأي. نحن الأبعد عن التماثل في حين أن الحقيقة التاريخية أثبتت، قبل هذه الأقوال وبعدها، بأن الأمة العربية هي أبعد الأمم عن التماثل السياسي والتكامل الاقتصـادي. وأنها لهذين السببين فقط، لا تستطيـع توحيد بلدين متجاورين كالسودان ومصر، أو كسوريا ولبنان، أو كليبيا وتونس، أو حتى كالسعودية والبحرين.. الخ. وفي خاتمة المطاف، كان بعض المفكرين السياسيين العرب في هذه المرحلة يشكِّلون خطابهم الوحدوي بمقتضى الحال الذي هم فيه، وحسب طبيعة المنبر الذي يخاطبون الناس منه. لكل مقام مقال! فإذا كان المنبر منبر حاكم غير متعجـل ولا متحمس للوحدة، قالوا أن الوحدة العربية تحتاج إلى وقت طويل ودراسة متأنية لكي تتم. أما إذا كانوا يقفون على منبر حاكم من أصحاب نظرية "الوحدة الفورية، وشعار: الآن.. الآن وليس غداً"، فإنهم ينادون بتحقيق الوحدة العربية بأسرع ما يمكن. ومن هنا، فقد الخطاب العربي الوحدوي قيمته العلمية الأصيلة، ولم يعد له مبرراته ووزنه العقلاني. وقد تبين من خلال استطلاع الرأي العام العربي في 1980 أن 70% من نسبة المبحوثين تؤيد وبشدة بدء الوحدة بالتنسيق أولاً، ثم بالاتحاد الفيدرالي، ثم بالوحدة الاندماجية كمرحلة أخيرة. (أنظر: سعد الدين إبراهيم، "اتجاهات الرأي العام العربي في مسألة الوحدة"، ص 131). باحثون على موائد الحكام: "كُلْ واشكر!" كان المنبر الفكري الذي يقف عليه المفكر، هو الذي يحدد نوعية مطالبته بالوحدة. فمن المعروف أن الزعيم الليبي معمر القذافي، هو صاحب معهدي "الإنماء العربي" و "الإنماء القومي" في بيروت اللذين يصدران المجلتين الفصليتين: " العرب والفكر العالمي"، و "الفكر العربي المعاصر". وقد ساهمت هاتان المجلتان مساهمة غير محدودة في اطلاع العرب على عيون الفكر العالمي قديمه وحديثه. وقامتا بدور تحديثي وحداثي وتنويري غير مسبوق. وفي العام 1979 تمت إقامة ندوة تحت عنوان:"الوحدة العربية.. المعوقات والممكنات" في أحد هذين المعهدين الفكريين الرصينين. وكان بعض المنتدين في هذه الندوة كاللبناني عصام نعمان يطالبون "بوحدة عربية تكون الآن، وليس غداً..!" إرضاء وتمشياً مع دعوة أصحاب الندوة المقامة. "أطعم الفم تستحي العين" بل إن بعض المنتدين إرضاءً لأصحاب الندوة الناصريين، ودافعي تكلفة الدعوة، راحوا يمتدحون عبد الناصر – وهم المفكرون العقلانيون – مديحاً صحافياً لا يليق أن يصدر من المفكرين، كقولهم عن عبد الناصر وعهده: "لقد عشنا عظمة أحد كبار القادة والحكام في التاريخ العربي الحديث، وقد لا يأتينا مثيل له قبل زمن." ونرى أن هذه "العظمة" الفكرية، أو الشخصية ليست في النهاية ضمانة لتحقيق الوحدة. وهو ما كان يطالب به القذافي من إقامة وحدة فورية "الآن.. الآن وليس غداً"، فلا خوف من السرعة، ولا يوجد ما يدل على أن هناك مشكلة جذرية في طريق الوحدة يقتضي البطء. "فلم يستبينوا النُصح إلا ضُحى الغد" كان الشاعر الجاهلي دُريد بن الصمة، قد قال معاتباً قومه: بذلت لهم نُصحى بمنعرج اللوى وفي رواية أخرى: أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النُصح إلا ضُحى الغد لقد اعترفنا – ولكن بعد فوات الأوان كما العادة لدينا دائماً - بعد انفصال الوحدة المصرية – السورية أن واحداً من أسباب هذا الفشل كان التسرُّع بالوحدة، والاستعجال في إعلانها كسلق البيض. وقد طرح المفكرون، بعد ذلك، شعار "الوحدة المدروسة" بدلاً من شعار "الوحدة الملموسة" وكان الشعار الجديد سبباً من أسباب خلاف السوريين الجذري مع عبد الناصر في العام 1963، وهو الذي كان يسعى دائماً إلى "الوحدة الملموسة". وأنه "يمكن القول بأن التعجيل بالوحدة والإسراع بها يكون الأسلوب الأحسن عندما تتوفر القوانين الوحدوية" كما سبق وقال نديم البيطار. وكأن قرار الوحدة أصبح من الهوان والبساطة والسهولة أخذه فُجاءةً على هذا النحو من اللغو والشعارات السياسية العاطفية المبتذلة، في حين كان يؤيد شيوخ الفكر العربي من العقلانيين الليبراليين العَلْمانيين من أمثال قسطنطين زريق من أن "الإعداد العقلاني للوحدة وتبيّن مطالبها وحاجاتها على مراحل" من دعائم إقامة الوحدة الحقيقية. فلتكن كما أرادها "الزعيم القائد" ولكن ل

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram