لايذكر الانسان شعراء العراق دون ما يقفز في ذهنه الرصافي والزهاوي فهما جناحا الشعر في المدرسة القديمة العراقية، واستطاع الشعر العراقي ان يرفرف بذينك الجناحين ردحاً من الزمان، ولايزال.. ومعركة العقاد والزهاوي من المساجلات الادبية التي اثارت نقاشاً وحواراً لفترة طويلة.
ولشخصية الزهاوي عند العقاد مكانة التقدير والتجلة، كذلك بالنسبة لفكره وأدبه، وفي ذلك يقول العقاد: "ترددت لاني اعلم انني استطيع ان اتبسط في شرح كل رأي ارأه في الادب والشعر دون ان اعرض للاستاذ الزهاوي نقداً او تحبيذاً وخلافاً أو وفاقاً، ولأنني أوقر هذا الباحث الفاضل واعرف استقلال فكره واستقامة منطقه وجرأته في جهاده وغبنه بين قومه، فلا أحب ان اقول فيه –لغير ضرورة من ضروورات البحث –مقالاً يوائم ذلك التوقير ولا يناسب ما له عندي من القدر والرعاية".وان من عرف الزهاوي، وقرأ له مؤلفاته وقصائده، بعضها أو كلها، ليس بمنته الى رأي أصدق من هذا الرأي، وليس بواضعه في مكانة خيراً من هذه المكانة التي وضعه فيها العقاد، وفاء واجلالا وتقديرا لعمله وفضله وفكره. وتتلخص مساجلات العقاد وشاعر العراق الكبير في ان البريد حمل للعقاد رسالة من أديب تونسي يسأله فيها ان يبدي رأيه في أديب العراق الاستاذ جميل صدقي الزهاوين ولم يكن العقاد إذ تلقى الرسالة يقدر انه بجوابه سيثير نقاشاً وحواراً بل وسيخوض معركة تطول. ولكن الزهاوي لم يرق له ما عنه العقاد..لم يعجبه ان يكون نصيبه من الملكة الفلسفية والملكة الشعرية –كما قال العقاد: فطالع الناس برد له على مقال العقاد في "السياسة الاسبوعية" قال فيه انه فيلسوف وانه شاعر لايقل حظه من الفلسفة ومن الشعر عن حظه من الملكة العلمية، وينتقد فيه العقاد نقداً خفيفاً أو غير ظاهر، ولكنه لاذع بعض الشيء.. وقد تلقى العقاد تلك الرسالة التي اثارت المعركة بينه وبين الزهاوي في عام 1927 وعقب عليها بتاريخ 16 سبتمبر عام 1927 وضمنها مجموعة مقالاته التي نشر ها بكتابه ساعات بين الكتب تحت عنوان "كلمة عن الاستاذ الزهاوي" جاء فيها: جاءني الخطاب الاتي من صاحب الامضاء بتونس، قال كاتبه الاديب بعد ديباجة التعارف"" اما الان فبقيامكم ضد الثرثارين وتقويضكم لبناء ما كانوا يحسبونه آثاراً أدبية وإماطتكم اللثام عن كل من كنا نعدهم من الشعراء الفحول والكتاب المبرزين –قد أسفرت النتيجة عن تجدد حقيقي في اللغة والادب إذ أدركوا ما تركون اليه في انتقاداتكم فهبوا يتبارون فيه جاهدين قرائحهم وصارفين مهجهم نحو"الحياة" نحو "الجمال" نحو"المثل العليا" ، تلكم الكلمات الحية التي ما وجهت طرفي نحو أي سطر من فصولكم ومطالعاتكم ومراجعاتكم ونحو اية صفحة مما تكتبون الا عثرت عليها.. ولصرف مهجتكم الى هذه المطلب، ونقدكم الصحيح الخالص من الاغراض، وسعيكم وراء الحقيقة، رضي القوم أم غضبوا –أتيت اعرض عليكم كلمة في رفيق صباي ومربي روحي راجياً منكم التفضل بإبداء رأيكم فيه ولكم الشكر الجزيل سلفاً، لأن كل هات يكم الخلال جعلتني كما جعلت غيري يعبرون قولكم الفصل فيمن تكتبون له أو عليه. ولكم الرفيق يا سيدي هو فخر العراق كما تقولون جميل صدقي الزهاوين فقد عرفته منذ دخلت المدرسة وأولعت بديوانه حتى انني كدت ان احفظه نثراً ونظماً، فمن نزعته في الشعر الى قوله في القبر: ولست بمسؤول اذا ما سكنته اكنت عبدت الله قبلا ام اللاتا الى قوله في مهاجمته: يا قوم مهلاً مسلم انا مثلكم الله ثم الله في تكفير وعندما اسأم استمرار قراءاتي فيه اعمد بعد تحضير واجباتي المدرسية الى مطالعة احد الدواوين فأرى نفسي كأنني انتقلت من روضة حافلة بالازهار من كل صنف زاهية بالماء الزلال الجاري و"الهزار" على اغصان اشجارها يشدو بنغماته العذبة الشجية الى ارض قاحلة لا ماء فيها ولا شجر ولا هزار، فلا ألبث ان اعود الى ديواني الاول وشغفي به يزداد كلما رأيته سابقاً وغيره لاحقاًن وهكذا. وما أقوله لكم في ديوانه أقوله لكم في مباحثه التي تنشر في الهلال حتى أنني اذا لم اجد فيه فصلاً من فصول جميل انقبضت نفسي لذلكم كثيراً.. واذا رأيت فيه مبحثاً له قدمته على سائر الموضوعات فقرأته وأعدته المرار العديدة حتى تعلق بذهني جمل منه، ومن الجمل افكار، ومن الافكار مناقشة تنتهي بي الى قضاء جزء كبير من اوقاتي معه، وحمادي القول ان السيد جميل لهو أحق بالنقد من سواه وبم
العقاد عند جميل صدقي الزهاوي
نشر في: 29 يناير, 2010: 04:51 م