يوم قررت الرقابة المصرية منع بث أغنية المطربة عايدة الشاعر في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة "الطشت قلي ياحلوة كومي استحمي" ، رد الجمهور على القرار بقول انتشر في الشارع واصبح على كل لسان "ياسلام سلم الطشت بيتكلم" ، في اشارة الى التنديد بسياسة تكميم الأفواه ومصادرة حرية التعبير . الأشقاء المصريون وكعادتهم في استخدام الدعابة في التعاطي مع المواقف الرسمية ، افترضوا وجود فم للطشت يصدر صوتاً أزعج الجهات الرسمية فقررت إخراسه الى الأبد . القرار قدم دعاية مجانية للمطربة ، وشجع الجمهور على سماع الأغنية باقتناء أشرطة الكاسيت ، استنادا الى قاعدة "الممنوع مرغوب" لتلبية رغبة من يحاول استفزاز السلطة بدبابيس السخرية.
صوت الطشت ورد في الذاكرة الشعبية العراقية بالقول "نزل الطشت من فوك السطح يهلهل" بمعنى يطلق صوت انذارلأغراض التنبيه والابتعاد عن خطر محتمل . من المظاهر القديمة كانت زفّة العروس تحمل حاجياتها الضرورية الى بيت الزوجية ، وتضم اللحاف والدوشك نفرين والابريق والطشت المصنوع من النحاس فضلا عن وسادة طويلة تسمى "اللولة" مغلفة بقماش احمر . ترك "الطشت" حضورا مهماً في الحياة العراقية ، تستخدمه النساء لغرض الاستحمام داخل غرفة اوصريفة منزوية بعيدة على الأنظار ، هذه الحالة وثقتها تاريخيا المطربة عايدة الشاعر بأغنيتها الشهيرة.
بدخول الأجهزة الحديثة الى العراق ، فقد الطشت سواء كان نحاسياً او من الالمنيوم حضوره السابق ، وتعرض كغيره من الحاجيات القديمة الى الانقراض القسري ، لكن الجيل القديم من العراقيين المتمسكين بالماضي بوصفه كان زمن الأمن والاستقرار يحتفظ بشواهد بطلها الطشت ، فحين يقول أحدهم بنت فلان" أخذت طشتها" بمعنى انها لن تعود الى بيت الزوجية الا بخوض مفاوضات ماراثونية صعبة تتطلب تدخل الوجهاء لإصلاح ذات البين ، في حال فشل المفاوضات يبعث الزوج برسالة الى زوجته الزعلانة، بأنه على استعداد لادخال طشت جديد الى بيته ، اي سيضطر الى الاقتران بواحدة من بنات الحلال لتكون زوجته الثانية على سنة الله ورسوله.
قول الأشقاء المصريين "حول الطشت" لم ينطلق من فراغ بل استند الى حقائق متجذرة في الذاكرة الشعبية المصرية ، تقترب من العراقية، في ضوء دراسات وبحوث اكدت ان الموروث الشعبي العربي موحد ، فحافظ الطشت على اسمه في العراق ومصر ودول عربية اخرى على الرغم من غيابه في الوقت الحاضر من الحياة اليومية .
من أوسع الأبواب دخل الطشت الى المشهد السياسي في المنطقة ، فحين يتعرض الرئيس الى محاولة انقلابية يظل يبحث عن الطشت والبشت بوصفهما من الرموز الوطنية للحفاظ على الشرعية ، رياح الربيع التركي حركها العسكر في بروفة ربما تتكرر مستقبلا ، كادت تقلب المعادلة وتصل الى دول الجوار، ياحلوة قومي استحمي.
" الطشت" بيتكلم تركي
[post-views]
نشر في: 16 يوليو, 2016: 09:01 م