TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > سرّ نجاح أردوغان في إفشال الانقلاب

سرّ نجاح أردوغان في إفشال الانقلاب

نشر في: 16 يوليو, 2016: 06:31 م

 

إذا انتهى الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان من أمر المحاولة الانقلابية عليه وبقي في منصبه، عليه من الآن فصاعداً أن يلهج ليلاً ونهاراً بعبارات الشكر والتقدير والامتنان لوسائل الإعلام المستقلة التي اتخذ أردوغان في السنوات الماضية حيالها موقف العداوة الضارية، ولمواقع التواصل الاجتماعي التي سعى للتضييق على حرية إبحار الشعب التركي في فضائها.
نعم، فمن ساعد أردوغان وحكومته في البقاء في السلطة أو العودة إليها هو الإعلام المستقل ومواقع التواصل الاجتماعي التي لعبت دوراً كبيراً في إظهار أنهما يسيطران على الأوضاع. ولو كان اردوغان قد نجح في مساعيه لإسكات الإعلام المستقل وإغلاق مواقع التواصل الاجتماعي، ما كان ومساعدوه سيمكنهم إيصال رسائلهم المصوّرة إلى الشعب التركي وإلى العالم الخارجي، وما كانوا سينجحون في دفع أنصارهم وأعضاء حزبهم بالنزول إلى الشارع ومواجهة القوات الانقلابية، فمن أُولى الخطوات التي اتخذها الانقلابيون احتلال محطة الإذاعة والتلفزيون الحكومية وبثّ بياناتهم عبرها، لكنّ الإعلام المستقلّ ومواقع التواصل الاجتماعي كان لها الدور الحاسم في دحر محاولة الانقلاب، وهذا ما اعترف به ضمنياً رئيس الوزراء بن علي يلدريم في المؤتمر الصحفي الذي عقده قبل ظهر أمس، إذ قدّم الشكر لوسائل الإعلام عن موقفها. والواقع ان هذه الوسائل لم تعبّر عن موقف مؤيد أو معارض وإنما هي غطّت الأحداث بمهنيّة، وفي هذا بالذات تكمن قوة الإعلام، وبخاصة الإعلام المستقل، وهو أمر لم يكن يدركه أردوغان، ولا أظنّ أنه سيدركه لاحقاً لينتهج سياسة جديدة حيال الإعلام المستقل في بلاده ومن مواقع التواصل الاجتماعي، مختلفة عن سياسة الهيمنة والتسلّط التي اتبعها منذ أن كان رئيسا للوزراء ثم جعلها تنفلت من العقال مع جلوسه على كرسيّ الرئاسة في قصره السلطاني الجديد الذي فاق في فخامته قصور سلاطين بني عثمان!
حقبة حكم أردوغان هي من أكثر الحقب سوءاً في تاريخ الإعلام التركي المستقل، وتكفي الإشارة إلى وجود العديد من الصحفيين الأتراك الآن في السجن أو في المعتقل انتظاراً للمحاكمة عن "جريمة" واحدة هي انتقاد سياسات أردوغان وتغطية أحداث البلاد بمهنية بما يكشف حقائق لا يرغب أردوغان وحكومته بالكشف عنها، وبالذات في ما خصّ الحرب ضد القومية التركية وعلاقة نظام أردوغان بمنظمات الإسلام السياسي الإرهابية، كداعش والنصرة، والسياسات الخارجية الخاطئة لأردوغان وحكومته.
وفي التقارير السنوية للجنة حماية الصحفيين في نيويورك (CPJ) ظلّت تركيا، إلى جانب الصين وإيران، تحتل مكان الصدارة في قائمة الدول التي يوجد فيها أكبر عدد من الصحفيين المعتقلين، وفي العام 2012 مثلاً تجاوز عدد الصحفيين المعتقلين في تركيا نظراءهم في الدول الأخرى الأكثر قمعاً للحريات، مثل الصين وإيران، إذ بلغ عددهم 42 صحفياً، بينما بلغ في الصين، التي يبلغ عدد سكانها 20 ضعفاً عدد سكان تركيا، 27 صحفياً في العام نفسه.
الدرس التركي هذا هو درس برسمنا هنا في العراق.. على الحكومة وسائر مؤسسات الدولة أن تُدرك ما سيتعيّن على الرئيس التركي إدراكه الآن، وهو أنَّ الإعلام المستقلّ دعامة قوية وضمانة أكيدة للديمقراطية، أمّا الإعلام الحكوميّ فليس إلّا مضيعة للوقت والمال العام.

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. سعيد فرحان

    عزيزي الاستاذ لو لم يكن هناك شعب يريد اردوغان رئيسا لما استجاب لنداء اردوغان عبر (وسائل الاعلام المستقل)اولا .اردوغان نقل تركيا نقلة نوعية من حال الى حال احسن وهذا واضح لكل من زار تركيا ويزورها اليوم ثانياً .هل شاهدت الجماهير التي كانت تسد الطريق امام دب

  2. محمد سعيد

    لم يتطرق لحد الان احدا عن افتعال هذا الانقلاب المسبق الذي يمكن ان دبرته حكومة اوردغان لتحاشي تغيير حقيقي وشامل بعد فشل سياسته داخليا وخارجيا . السلاطين في الشرق علي دراية مسبقه في كيفيه الحفاظ علي عروشهم

  3. ابو سجاد

    عليك ان لاتنسى دور الشعب التركي الذي خرج على بكرة ابيه عندما لبى نداء اردوغان عندما طلب من الشعب ان يحسم الامر وفعلا تم حسم الامر خلال ساعتين لااكثر وعودة الامور الى نصابها وهذا مايدل على وعي وعظمة وشجاعة الشعب التركي الذي اصر على البقاء في فضاء الديموق

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram