مهدي شاكر العبيديكتاب (مطالعات في الكتب والحياة) من الكتب التي يعتد بها من جهة اشتماله على مقالات تناول فيها العقاد موضوعات شتى، ينتهي القارئ منها، وقد ألم بطائفة من النزعات والخواطر بصدد الشعر والفلسفة والتاريخ والفن والنقد مودعة في قالب كتابي محكم بألفاظه المطلوبة في سياق تعبيره دون غيرها من مكونات اللغة،
مبقيا فيها في الوقت عينه على عنصر الذاتية دون ان يباعد عنه الى المبحث الاكاديمي وما يتسم به من جفاف ورتابة وإمعان في التفاصيل، ولا يكون ذلك بغير استناد الى مراجع وامهات من موروثات الثقافة قد يستدل منها على افتقاد الكاتب لثقته بما يقول قبل ان يؤمنه الاخرون على توخيه الضبط والتدقيق. من محتويات هذا السفر القيم الصادر عام 1924 بطبعته الاولى مقالة بعنوان (القديم والجديد) لنا ان نعدها من غرر مقالاته ، لاحتوائها على افكار ونظرات بخصوص الاداب العربية القديمة وصلتها بحياة العرب الحاضرة، ما يضعه في صف اهل الجسارة والاقدام، وفي مقدمة دعاة التجديد والابتكار ، مردنا في ذلك الى ثقة راسخة بما يدين ويعتقد، غير ملتفت الى الرأي الشائع الذي يكرس العصمة في القدامى ويستبعد وقوعهم في الخطأ والمزلة بل رافضا فيه ايضا جملة من الاقوال المتداولة بخصوص جدوى بعض الكتب القديمة في تدريب الملكة ورياضة السليقة واغناء عقل المرء بغاية ما يتيسر من المعارف والحقائق والمحصلات الذهنية ليذلل بها كل ما يعترضه من صعوبات بمجرد اعتزامه الانخراط في عالم الكتابة والكاتبين. والذي استحث العقاد على تحبير تلك المقالة وأوحى لخاطره بالنظر المستنير والقصد المرتبط بمجريات العصر ومستجداته، في غير جهد ولا تنكر لمآتي السلف واثارهم الابداعية، هو رسالة وافته من بغداد في بداية عام 1924 ، كتبها مواطن عراقي قد يكون من الباعة او التجار في سوق الصدرية او ان دار سكناه على مقربة من ذلك السوق، فصيره عنونا له، واسم هذا المستفسر المطلع على شؤون الادب والتواق الى الاستزادة من الاراء الكامنة وراء ما يشتجر بين المتمرسين في الكتابة من خلافات، وما يستمسكون به من ذرائع وحجج لتعزيزها، هو محمد رؤوف الكراز، وقد يكون بعد هذه السنين المنطوية في عالم البقاء الحقيقي. ونرى من المسوغ الوقوف على تقديم العقاد لخطاب ذلك السائل واستقباله له بالشكر، واطلاعنا، على نبذة منه: وجاءني في الخطاب الاتي من حضرة صاحب الامضاء، أنشر هنا ما يعنيني في هذا المقال، واستأذن صاحبه الاديب في حذف ما خصني به من ثنائه الجميل، قال: كتب سلامة موسى ما كتب عن السيد مصطفى صادق الرافعي في الهلال، وعلى اثر ما كتبه الاستاذان وسبرنا غور ما ارادا من تصديها للبحث والمناقشة، وقد جاءت حجج الرافعي آية في السلاسة والابداع، فهو يدخل في باب النصح والملاينة لا من جهة العبوسة والمخاشنة فكأنه إنما يريد الهداية ولا يريد التشفي، والعاجز يريد استفتاءكم في ذلك الموضوع خدمة للحقيقة. بغداد –سوق الصدرية –محمد رؤوف الكراز. وتتضمن مقالة العقاد في تبصير كاتب الرسالة بعناصر الابداع الادبي والشرائط التي يلزم توفرها في الاديب ليستوي على الجادة الصحيحة، والفروق الملحوظة بين الادب المعاصر والادب القديم، من ناحية التوجهات والاساليب، وما اذا كان بالسوع اقتصار النابتة الجديدة على قراءة نتاجات المحدثين دون اشتغالهم بها ورأت القدامى ليقوى إمكانهم وتستقيم لغتهم، اقول تتضمن تلك المقالة النفيسة من ضروب الراي ما يباين فيه العقاد أقرانه من الرواد الاوائل من كتاب النهضة الحديثة الذين بذلوا ما في وسعهم لتنقية الكتابة العربية من المحسنات والزخارف البيانية، ولم يحتذوا في ذلك عدا اسلوب ابن خلدون في مجافاة التصنع والكلف بمفردات معينة، وجروا على منواله في الترسل والانطلاق ولم يكونوا في ذلك حتى محاكين له ومقلدين، والا لما تعددت القوالب ووجوه البيان يومها تمثيلا لما في شخصية الكاتب الواحد منهم من عناصر وخصائص. هؤلاء الرواد طالما نصحوا لمريديهم وابنائهم بالمداومة على مطالعة اسفار ومصنفات معينة ما أسلفه الجاحظ وأبو الفرج وقدامة وابوهلال العسكري ليفيدوا ما فيها من البيان المتين الاسر، على سبيل الاعتبار والقدوة، بينما يرسل العقاد صيحته: "إننا في عصر لم تسعد اللغة العربية بمصر أسعد منه، في دولة من دولها الغابرة، وان عليهم ان يفيقوا من ذلك الجنون بالقديم الذي يتحسرون عليه، فيعلموا ان عصرنا هذا هو اقدم العصور واحقها بالتوقير والتبجيل لأنه وعى من الازمنة الماضية، وبلغت اممه من تجارب الحياة ما لم تبلغه الامم الخالية". وقد يكون في هذا الرد لما لهج به القدامى انفسهم، من ناحية كونهم يعدون حقبتهم افضل في التفتح والازدهار والنشاط العقلي من حقبات سابقة عليهم فنهي الاديب المتأخر لمن يتلوه من نابتة الجيل عن التقليد المحاكاة وتوصيته لهم بأن لاينظروا عند التمييز والترجيح وتحليل الاساليب والنصوص، الى الازمنة والعصور التي ظهرت إبانها ، فلا دخل لها في مداها من الجودة والقوة، وجدارتها بالقبول وإقناع متداوليها بسلامة ما فيها من مد ليل وافكار ، كل هذا ما حفلت به كتب النقد الادبي المعروفة. فعنده ان "شرط الاديب ان يكون مطبوعا على القول، أي غير مقلد في لفظه ومعناه، وا
قبل سبعة وستين عاماً
نشر في: 29 يناير, 2010: 04:56 م