TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مُهمّة غير حميدة على البرلمان تفاديها

مُهمّة غير حميدة على البرلمان تفاديها

نشر في: 17 يوليو, 2016: 05:53 م

منذ سنة انطلق، ويستمر حتى اليوم، أكبر حراك شعبي في تاريخ العراق، جوهره إجراء إصلاحات جذرية وشاملة. ومنذ سنة تعهّدت الحكومة ووافقها مجلس النواب، بل تعهّد هو نفسه، بتحقيق مطالب الحراك، فكلاهما عرض حزمة إصلاحية أظهرت اعترافاً بمشروعية المطالب ودستوريتها وتبنّياً لها، ولم يتحقق إلى اليوم حتى الأدنى من تلك الحِزَم.
ما كان لهذا الحراك أن ينطلق وأن يتواصل كلّ هذا الوقت وأن يتصاعد زخمه لو لم يكن الدستور قد كفل على نحو جليّ حرية التعبير بكافة الأشكال والأساليب، بما فيها الاجتماع والتظاهر والاعتصام والإضراب، ولم تحُل القوة الغاشمة التي لجأت إليها الحكومة السابقة برئاسة نوري المالكي لقمع حراك 2011 دون اندلاع الحراك الحالي بزخم أقوى ونطاق أوسع.
المادة الدستورية التي كفلت حرية التعبير (المادة 38) أوصت بتنظيم ممارسة هذه الحرية بقانون.. المادة كانت واضحة ودقيقة في تحديد وظيفة القانون الموصى به، وهي التنظيم وليس التقييد، والفرق كبير بين التعبيرين.
مجلس النواب الذي تأخّر كلّ هذا الوقت في تشريع القانون مثلما تأخّر في تشريع أهم القوانين اللازمة لبناء الدولة ولإقامة النظام الديمقراطي وترسيخ دعائمه، يتّجه الآن (اليوم بالذات) لتشريع قانون يُقيّد ممارسة حرية التعبير بوضع شروط ثقيلة عليها.. إنها مهمة قذرة في الواقع لأنها تشكّل سلباً لحريّة تمتّع بها العراقيون بقدر مناسب على مدى السنين الثلاث عشرة الماضية، بعدما حُرِموا منها حقبة طويلة في عهد صدام وقبله، وكانت واحداً من أحلامهم الكبيرة.
الدستور الذي أقرّه الشعب قبل عشر سنوات حرّم تشريع أيّ قانون يتعارض مع المبادئ الديمقراطية التي نصّ عليها الدستور. القانون الذي يريد مجلس النواب إجازته اليوم يتعارض على نحو صارخ مع هذه المبادئ، ولهذا فإن تشريعه سيكون مهمة قذرة،لأنه يمثّل انقلاباً على الدستور وسلباً لحقّ اكتسبه العراقيون بعد سقوط النظام الدكتاتوري وتمتّعوا به لما يزيد على عقد من الزمن.
في السنوات الثلاث الماضية انبرى الكثير من النقابات والمنظمات والهيئات الاجتماعية والشخصيات الثقافية والأكاديمية، فضلاً عن بعض القوى السياسية، لمعارضة نصّ مشروع القانون المقدّم من الحكومة، ونجحت هذه المعارضة في إقناع اللجان البرلمانية المتخصّصة برفض القانون بصيغته الأصلية وإعادته إلى الحكومة لصياغته من جديد بما يتماشى مع الاعتراضات والملاحظات المثارة عليه، لكنّ الصيغة المطروحة على مجلس النواب والمراد تمريرها اليوم عادت لتتضمن الكثير من القيود التي جرى الاعتراض عليها.
بعض القوى النافذة في مجلس النواب ربما تعتقد بأن الجو العام في البلاد مناسب لتمرير الصيغة الحالية في ظل الانصراف الشعبي إلى الحرب ضد داعش ومواجهة خطر الإرهاب. وهذه ستكون فكرة بائسة وخرقاء،لأنها ستزيد الانقسام والشقاق داخل المجتمع وفي الحياة السياسية، فيما الوضع في البلاد يتطلب الوحدة الوطنية المتينة والراسخة لتحقيق الظفر في الحرب على الإرهاب وإزالة آثار الكارثة الناجمة عن الاحتلال الداعشي لثلث مساحة البلاد قبل سنتين. كما أنه ليس من الفطنة السياسية في شيء أن تفكّر قوى سياسية حاكمة بتقييد الحريات، فالحكم ليس دائماً لها، وذات يوم ستجد نفسها في المعارضة وفي حاجة إلى الحريات التي قيّدتها أثناء حكمها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. علي الكرخي

    من الملاحظ ان التظاهرات التي خرجت سابقا ورفعت شعارات ليس هنالك اكثر منها وضوح وهي القضاء على الفساد المستشري في الدوله واول الفاسدين هم اعضاء مجلس النواب والطلب بتقليل امتيازاتهم الت فاقت كل حدود والان وبحركة استطاع هؤلاء ان يحولوا مسار النقد الموجه لهم و

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram