قبل ثلاثة أشهر كانت جبهة الإصلاح النيابية برئاسة إسكندر وتوت تصرخ: أن لامجال لتعديل وزاري يستبدل وزراء المحاصصة، بشخصيات لا تنتمي إلى بدر والدعوة والمجلس الأعلى ومتحدون والفضيلة والوطنية والحزب الإسلامي، وردَّد نواب كثيرون وجدوا في جلوس خبير مثل حسن الجنابي على كرسي وزارة الموارد المائية جريمة لاتغتفر، بالامس وقعت المفاجأة: حسن الجنابي الذي اكتفى آنذاك على ثورة " الإصلاحيين " بتعليق بسيط على صفحته في الفيسبوك: " عدم الموافقة على اختياري لمنصب الوزير لن يؤثر على عملي من أجل إدراج الأهوار على لائحة التراث العالمي بأيّ شكل من الاشكال " فكان هذا الشكل، هو موافقة اليونسكو على ضمّ الأهوار والمناطق الأثرية في العراق على لائحة التراث العالمي.
ينتمي حسن الجنابي إلى صفّ من الرجال الذين يتمنى الواحد منّا لو أنه يعيش في ظلّ علومهم.، ولستُ أدّعي أنني أعرفه جيداً، أو كنت قريباً منه كما أتمنّى. ولكن ، أنّى التقيتَ حسن الجنابي في شارع المتنبي، كانت تخطر لي قامات علمية وسياسية وثقافية كبيرة مثل محمد حديد وإبراهيم كبة وحسين جميل ومحمد مكية، وفي كل حديث شيّق معه يذكّرني بأولئك المثقفين، ممن لم يسخّروا المعرفة في خدمة جهل الساسة..
ينتمي حسن الجنابي إلى صف طويل من الرجال يمثلون العراق الحقيقي، يدركون معنى أنهم يعيشون في بلد متنوع، فسعوا إلى المساهمة في بنائه بالجد والعمل والحلم، فيما تطرح جماعة التوازن النموذج الآخر للعراقي، انسان لا يرى في بلاده سوى مزرعة لتفريخ الدولارات، لا يملك من القضايا سوى معركة الامتيازات والمناصب.
هناك كثيرون أعطوا العالم صورة عن الإنسان العراقي الحقيقي. فاروق القاسم كان واحدا في النرويج، وقيس كبة في لندن. وزها حديد، كانت مثالاً آخر.وكان حسن الجنابي نموذجاً، قادرا على أن يبلغ العالم ماذا تعني الأهوار بالنسبة لحضارة العالم، هذا ما حاول المواطن العراقي حسن الجنابي أن يشرحه لسامعيه في مؤتمر إسطنبول. تحدّث عن امنيات جميلة للأهوار ومزار النبي إبراهيم والوركاء وأور. مهمتنا، قال حسن الجنابي، ليست فقط البحث عن وضع آثارنا على قائمة التراث العالمي، بل الحفاظ عليها، كدولة وشعب ومؤسسات، وان يبقى العراق المجمَّع الأكبر والأروع للآثار في العالم.
هذا هو وجه العراق الحقيقي، وجه باسم، حلو الصوت والمعشر، أكثر اجتهاداً ومحبة لروح المواطنة، لا حديث عن الطائفة والمذهب، وإنما سجال عن عراقة العراق، ولهذا يظل حسن الجنابي نموذجا غريبا عند كاظم الصيادي وهيثم الجبوري وعالية نصيف ثلاثي الإصلاح الاول في العراق، فمن يريد عراقياً لا يتحدث بالمظلومية أو الإقصاء، ولا علاقة له بالتوازن الطائفي، عراقياً لا يقبل القسمة على المذاهب والعشائر، ويرفض الاشتراك في سباق المنفعة والانتهازية؟
شكراً حسن الجنابي لأنكَ أثبتّ لنا أنّ المكان والمكانة ، فقط لمواطنين أكفاء يتبارون في حبّ هذه البلاد.
شكراً حسن الجنابي
[post-views]
نشر في: 17 يوليو, 2016: 06:45 م