كلّما يأتي ذكر الزعيم الأفريقي الراحل نيلسون مانديلا، يخرج علينا مَن يطرح سؤالا: لماذا لايوجد مانديلا عراقيّ؟ وشاهدنا وسمعنا عدداً من الساسة يتحدثون عن مأثرة مانديلا، حتى أنّ خطيب العراق إبراهيم الجعفري خرج ذات يوم صارخاً لاطماً: " مانديلا العراقيّ موجود، التفتوا حولكم وسترونه جيداً " الغريب أنّ الباحثين عن مانديلا فاتهم أنّ الرجل لم يأتِ من فراغ، لا أريد أن أسرد حياة مانديلا ونضاله، فقط يهمّني أن أُشير إلى تفاصيل صغيرة جدا ربما لاينتبه لها البعض، فقبل أعوام أقام المتحف البريطاني معرضا عن الاديب الإنكليزي الشهير وليم شكسبير، وفي المعرض تمّ عرض نسخ من الطبعات التي صدرت بها أعمال شكسبير، ومن بين هذه الطبعات كانت نسخة من الاعمال الكاملة أثارت اهتمام الزائرين، لم تكن النسخة بخطّ شكسبير، وإنما هي الأعمال الكاملة التي هُرّبت قبل أربعين عاما إلى زنزانة نيلسون مانديلا. وقد لاحظ زوّار المعرض أنّ مانديلا قام بوضع حواشي وهوامش كثيرة على صفحات شكسبير، ويقال إنّ الصفحات التي حظيت بالكثير من تعليقات الزعيم الأفريقي هي مسرحية يوليوس قيصر وخصوصا المشهد الذي أخذت فيه زوجة يوليوس قيصر تناشده ألّا يذهب إلى حيث سيلقى حتفه في مجلس الشيوخ، فيقول لها: " الجبناء يموتون مراراً قبل موعد موتهم، أما الشجعان فلا يذوقون طعم الموت إلّا مرّة واحدة!
سيقول البعض إنها قراءة عابرة وإن مانديلا كان يشعر بالفراغ، فأراد أن يقضي وقتا مع الكتب، لكنّ الوقائع أثبتت ان قراءة مانديلا لشكسبير لم تكن عابرة، فقد لعب شكسبير دورا مهما في المناقشات السياسية بين رفاق السجن الذين خرجوا منه ليحكموا جنوب أفريقيا ويغيّروا تاريخها، لدرجة أن كاتب سيرة مانديلا يقول إنّ أكثر ما أثّر في مانديلا أثناء فترة سجنه الطويلة، لم تكن الكتب السياسية ولا حتى الكتب الدينية، بل كان شكسبير! ويكتب مانديلا في كتابه حوار مع نفسي : " بشكل ما شعرت بأن شكبير كان لديه دائما ما يقوله لي "، حتى تأثره به كان أعمق وأبعد،فالبيان الأول للمؤتمر الوطني الأفريقي في عام 1944 تضمن هذه العبارة من شكسبير " الخطأ ياعزيزي بروتس، ليس في النجوم بل في أنفسنا."
سيتّهمني البعض بأنني أنحاز للكتب، لكن دعوني أقول لكم ربما نستطيع من خلال قراءة علاقة مانديلا بشكسبيربشكل خاص والقراءة بشكل عام، وعلاقة ساستنا بالخرافات والجهل أن نعرف جيداً لماذا تقدّمتْ جنوب أفريقيا مع أنها لاتملك ربع ثرواتنا.. لكنها وهذا هو المهم لاتملك سياسيين روزخونيين مثل المالكي والخزاعي والكربولي والنجيفي، ولا تظهر على فضائيتها نائبة مثل عواطف النعمة تقول ان جميع المتظاهرين ينتمون الى البعث والوهابية، ولا نسمع فيه من يزف البشرى للمواطنين: اطمئنوا فوزير الداخلية الجديد تكنوقراط أيصاً، ويحمل شهادة دكتوراه في الشريعة .
لماذا لايوجد مانديلا عراقيّ؟
[post-views]
نشر في: 18 يوليو, 2016: 07:24 م
جميع التعليقات 2
بغداد
الاستاذ علي حسين شكراً لك من انك تنقل إلينا الحكم والأمثلة الحية من الكتب وتسهل علينا مفاهيم يصعب علينا ان نجدها بسهولة ومنها هذا المشهد الرائع الحكيم من احد مسرحيات شكسبير (( مسرحية يوليوس قيصر وخصوصا المشهد الذي أخذت فيه زوجة يوليوس قيصر تناشده ألّا ي
رمزي الحيدر
أرجو منك أن لا تقارن البشر بالدِبش !..