TOP

جريدة المدى > عام > الرّواية وجغرافيا المكان.. حوار مع الروائي ديفيد معلوف - القسم الأوّل

الرّواية وجغرافيا المكان.. حوار مع الروائي ديفيد معلوف - القسم الأوّل

نشر في: 20 يوليو, 2016: 12:01 ص

 
ديفيد معلوف David Malouf ( اسمه الكامل ديفيد جورج جوزيف معلوف ) : روائي وشاعر مولود عام 1934 في مدينة بريسبين بمقاطعة كوينزلاند الأسترالية لأب لبناني وأم بريطانية ، وقد سبق لعائلة أبيه أن هاجرت إلى أستراليا في ثمانينات القرن التاسع عشر . تعكس

 

ديفيد معلوف David Malouf ( اسمه الكامل ديفيد جورج جوزيف معلوف ) : روائي وشاعر مولود عام 1934 في مدينة بريسبين بمقاطعة كوينزلاند الأسترالية لأب لبناني وأم بريطانية ، وقد سبق لعائلة أبيه أن هاجرت إلى أستراليا في ثمانينات القرن التاسع عشر . تعكس أعمال معلوف خلفيته الإثنية وكذلك طفولته وشبابه في مقاطعة كوينزلاند الأسترالية ، ويمكن وصف رواياته بأنها روايات ( جغرافيا المكان وتضاريسه ) إلى جانب الكشف عن  التأثير الحاسم الذي يلعبه المكان في النشاط الإنساني والإبداعي بخاصة .
حصل معلوف على شهادة البكالوريوس بتفوق من جامعة كوينزلاند عام 1954 ، ثم عمل بعدها في القارة الأوربية للفترة من عام 1959 وحتى 1968 ، وبعدها عاد لممارسة تدريس اللغة الإنكليزية وآدابها في جامعة سيدني حتى عام 1977 وتفرّغ بعدها للعمل ككاتب محترف موزّعاً وقته بن أستراليا وإيطاليا .
نشر معلوف روايته الأولى المسماة ( جونو Johnno ) عام 1959 وهي رواية سيرية ذاتية تحكي عن وقائع حياته في مدينة بريسبينBrisbane  خلال الحرب العالمية الثانية ، ثم نشر عمله ( حياة متخيلة An Imaginary Life ) عام 1978 وفيه يعيد معلوف حكاية السنوات الأخيرة من حياة الشاعر الروماني أوفيد Ovid . في عام 1981 نشر معلوف روايته المعنونة ( لعبة طفل A Child”s Play ) والتي يحكي فيها عن علاقة ميتافيزيقية متخيلة بين قاتل محترف وضحيته المقصودة ، ثم أصدر روايته القصيرة ( نوفيلّا ) الموسومة ( إذهب بعيداً بيتر Fly Away Peter ) عام 1982 التي تجري وقائعها في كوينزلاند قبيل الحرب العالمية الثانية . تضم أعمال معلوف المتأخرة ( تذكّرُ بابل Remembering Babylon ) 1993 ، ( العالَمُ العظيم The Great World ) 1990 ، ( محادثات في كرلو كريك Conversations at Curlow Creek ) 1996 ، ومجموعة من المقالات تخص سيرته الذاتية نشِرت عام 1985 تحت عنوان ( 12 Edmonstone Street ) ، ورواية ( الفدية Ransom ) 2011 ، وكتاباً بعنوان ( الحياة السعيدة The Happy Life ) 2012 . نشر معلوف عدداً من مجاميعه القصصية القصيرة منها : ( الجهة المقابلة Antipodes ) 1985 ، ( حكايات غير مرويّة Untold Tales ) 1999 ، ( مادة الحلم Dream Stuff ) 2000 .
رغم أن معلوف يُعدُّ كاتباً روائياً غير أنه أبدى شغفاً عظيماً لايفتر بالتأريخ والسايكولوجيا البشرية ، ويبدو واضحاً من خلال قراءة أعماله الروائية والقصصية أنه ابتدأ مهنته الكتابية شاعراً ذا حساسية عميقة تجاه النغمة والإيقاع والصورة المشهدية - تلك السمات التي باتت حاضرة لاحقاً وبموهبة واضحة في نثره الذي يشعّ جمالاً وبخاصة عندما يحكي عن جغرافيا التضاريس الأسترالية .
يعيش معلوف في مدينة ( سيدني ) الأسترالية بشكل دائم  بعد أن طال عهده بالمكوث في إيطاليا لسنوات عدة ، وهو معتاد على السفر إلى إنكلترا وإيرلندا بين الحين والآخر لكنه اعتاد المكوث في بلده الأم أستراليا معظم الوقت حيث يراقب على الدوام الأمزجة الثقافية المتغيرة والمناخ السياسي في بلده بكثير من الحكمة والتبصر . تجدر الإشارة أن معلوف واحد من أكثر الروائيين المعاصرين إتقاناً للغات الحديثة ؛ فهو يتقن اللغات الفرنسية والإيطالية والألمانية إلى جانب الإنكليزية بالطبع ، كما أن له شغفاً عظيماً ومعرفة عميقة بالموسيقى الكلاسيكية وفن الرسم ، وثمة ميزة دائمية طاغية في أعماله : جنوحه للتعامل مع الشخصيات التي تتّسم بالبراءة وقلة الحيلة وعدم امتلاك أيّ من أدوات السلطة ووسائلها .
يُلاحَظ غياب الشخصية اللبنانية والعربية في كل أعمال معلوف باستثناء قصة حياته وسيرته الذاتية في كتابه السيري الذاتي ( 12 Edmonstone Street  ) الذي ذكر فيه  جذوره اللبنانية جراء تربيته وحديثه مع جدّيه اللبنانيين اللذين لم يتكلما الإنكليزية ، ويبدو واضحاً أن معلوف لم يخصص في أعماله الأدبية أي دور لشخصية لبنانية لأنه ينظر في أعماله من منظار العولمة والانفتاح وتجاوز المحدوديات المحلية والإثنية واللغوية .
الآتي جوانب من حوار شامل مع معلوف ظهر في مجلة ( BOMB - Artists in Conversation  ) خريف عام 2007 ، وأدار الحوار ( كولم تويبن Colm Toibin ) وهو روائي إيرلندي معروف بأعماله الروائية المهمة إلى جانب أعماله في حقل القصة القصيرة والشعر والمسرح والنقد الأدبي كما يكتب الأعمدة الصحفية في عدد من الصحف المميزة . يعمل ( تويبن ) أستاذاً للإنسانيات في جامعة كولومبيا الأمريكية كما عمل من قبل أستاذاً للكتابة الإبداعية في جامعة مانشستر خلفاً للروائي البريطاني المعروف ( مارتن أميس Martin Amis  ) . تجدر الإشارة أن بعضاً من روايات ( تويبن ) ترشّحت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العالمية ونذكر منها ( وصية ماري The Testament of Mary ) عام 2013 ، و ( الأستاذ The Master  ) عام 2004 .       
 المترجمة

الحوار
*  القصة الأولى المعنونة (وادي المستنقعات) التي ظهرت في مجموعة قصصك الكاملة فاتنة على نحو خارق : ثمة كثافة مدهشة في الكتابة ووصف المشهديات التضاريسية إلى جانب الإدهاش الملفت للنظر في السايكولوجيا والسياق الحكائي ورهافة الإيقاعات السردية .  ستتملكني الدهشة لو قلتَ لي أن تلك المشاهد التي تحكي عنها لم تكن مستقرة في عمق ذاكرتك منذ سنوات بعيدة ؟
-  المشهديات التي أحكي عنها في تلك القصة حقيقية تماماً ؛ فقد سبق لي أن زرت تلك المناطق وأنا بعمر العشرين في رحلة صيد بصحبة صديق شاب لي ذهب ليصطاد الخنزير البري للمرة الأولى في حياته . قضيت خمسة أيام رائعة في رحلة الصيد تلك وفي ذلك المكان المسمّى ( وادي المستنقعات ).
*  في الكثير من أعمالك ثمة إحساس ينتاب القارئ بأنك تعتمد سلوكاً يماثل سلوك آدم : تسمّي الأشياء في الرواية - أسماء الأشجار أو الطيور أو النباتات أو حتى أنماط المناخ - كما لو كانت غير معروفة أو موصوفة من قبلُ ؟
-  تمنح أستراليا الكاتب هبة حقيقية في السياق الذي حكيتَ عنه لأن كل شيء فيها يبدو مع تطور الفعل الكتابي كما لو كان استغواراً لبدايات الأشياء جميعها . تبدو الأمور دوماً أثناء الكتابة كما لو كان الكاتب في موضع هيسيود Hesiod ( شاعر إغريقي من أوائل الشعراء الإغريق عاش نحو الفترة 700 قبل الميلاد وكتب كتاباً يدعى Theogony وهو ملحمة شعرية مذكور فيها جينيالوجيات الآلهة - المترجمة ) حيث تمضي الكتابة على النحو الذي يتطلّب دوماً فعل جميع الأشياء ، ولكن في الوقت ذاته على الكاتب أن لاينسى أنه يعيش في القرن الحادي والعشرين ويتحمّل عبء حمولة تراث كامل وراءه لكونه وارثاً للأدب الغربي بأكمله . عندما كنتُ أكتب عن مدينة ( بريسبين ) في روايتي الأولى ( جونو ) غمرني إحساس بأنني أعيد خلق ذلك المكان وأبعث الحياة فيه ثانية حتى لمن كان يعيش فيه منذ زمن بعيد . أرى أن المدينة - أية مدينة - سنخلع عليها وجوداً أكثر واقعية متى ماحكينا عنها في كتاب وبصرف النظر عن حقيقة أننا قد نكون قد عشنا فيها معظم أو ربما حتى كلّ حياتنا .
* ثمة نسختان من التأريخ الأسترالي : واحدة مظلمة تبدو فيها أستراليا مقبرة قاتلة تعجّ بالحكايات عن إساءة معاملة السكان الأصلاء aborigines ، ومكاناً يسعى ببساطة لتقليد إنكلترا تقليداً أعمى في كل هياكلها وبكل الوسائل الممكنة المتاحة . النسخة الثانية من التأريخ الأسترالي أقل قساوة بكثير وهي - على سبيل المثال - تماثل التاريخ الذي تحكي عنه أنت في كتابك (روح اللعبة) . هل مثّلت أستراليا فعلاً - وبطريقة غريبة أيضاً - أرضاً للفرص الموعودة للكثيرين من الذين اختاروا القدوم إليها ؟
-  لا أظن أن ثمة شكّ في أن الحياة هنا كانت قاسية للغاية وبخاصة في بداياتها ، وقد جعل المكان الأمور أكثر قساوة ومشقة لأن التربة والمناخ كانا مجهوليْن تماماً بالنسبة للقادمين من خارج القارة الأسترالية ، ومن الطبيعي أن السكّان المحليين الأصلاء لم يمارسوا الزراعة من قبلُ لذا لم يكن بوسعهم تقديم أية معونة للوافدين بهذا الشأن . ثمة أمر آخر بشأن الجغرافية التضاريسية الأسترالية ساهمت هي الأخرى في تعقيد الأمور : عاش الناس هنا لآلاف الأعوام لكنهم لم يبنوا شيئاً دائمياً ولم يتركوا معلماً يمكن أن يكون بصمة مميزة لهم على الأرض . في أوربا يسود إحساسٌ قوي بأن المشهديات ليست تلك التي يصنعها الإنسان فحسب بل هي تلك التي صنِعت لأجل الإنسان ذاته ؛ وهكذا عندما نشكّل مصنوعاتنا تبعاً لحاجاتنا فإننا نجعلها على شاكلتنا وفي المقابل تمنحنا هي انعكاساً مريحاً نختبر فيه سطوتنا وحضورنا الإنساني . لاتمنح أستراليا للوافدين ذلك النوع من التعضيد والدعم والثقة : المشهديات التضاريسية السائدة - برغم عظمتها وعلوّ شأنها - تبعث التغريب في روح الإنسان ولاتفتأ تخبره بأن لامكان له هنا ؛ إذ ثمة صعوبة ومشقة منذ البداية - الكثير من المشقة كان يختص بتفاصيل عملية ولكن الأغلب فيها كان وجودي الطابع . لم يشكّل السكان الأصلاء مشكلة من أي نوع لأنهم كانوا أقلية ولكننا نحن من عاملناهم بطريقة سيئة للغاية . المشكلة الحقيقية كانت الأرض ذاتها ، ومن الصعب أن يصدّق أحد اليوم وبعد نصف قرن من الوفرة المتعاظمة أن أستراليا كانت أرضاً قفراء تفتقد الخصب والثراء عند بواكير الحرب العالمية الثانية . إن مانسميه اليوم ( القيم الأسترالية ) نما من حاجة الناس العملية والملزِمة  إلى التعاضد والتكاتف وإسناد الواحد للآخر وهو الأمر الذي ساعد في خلق مايمكن تسميته ( روح الشعب ) في هذا المكان . حقّقت أستراليا منذ البدء تجربة واعدة في الهندسة الاجتماعية - تلك التجربة التي أراها شيئاً إيجابياً إلى أبعد الحدود ، وقد تأسست تلك التجربة الناجحة على اعتقاد متحدّر من عصر التنوير مفاده أنك لو انتشلتَ الناس - حتى من كان مجرماً منهم - من براثن الفقر المدمّرة ووضعتَهم في مكان يمكن لهم فيه أن يمتلكوا أرضهم ويعملوا فيها فإن تلك التجربة كفيلة بإعادة تشكيلهم بشكل من الأشكال : هذا هو الجزء الباعث على التفاؤل في التجربة الأسترالية لو تكلمنا عنها في سياق يتماهى مع مفردة ( الحلم الأمريكي ) ، ولكن ماخلا ذلك لم يكن ثمة مراعٍ طبيعية أو أنهار جارية في وسط القارة الأسترالية ؛ لم يكن ثمة شيء سوى صحارى مترامية الأطراف - القلب الأسود كما اعتدنا على تسميتها.

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

"مُخْتَارَات": <العِمَارَةُ عند "الآخر": تَصْمِيماً وتَعبِيرًاً> "كِينْزُو تَانْغَا"

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

السينما والأدب.. فضاءات العلاقة والتأثير والتلقي

كلمة في أنطون تشيخوف بمناسبة مرور 165 عاما على ميلاده

مقالات ذات صلة

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا
عام

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا

ديفيد سبيغنهولتر*ترجمة: لطفية الدليميقريباً من منتصف نهار التاسع عشر من آب (أغسطس) عام 1949، وفي محيط من الضباب الكثيف، عندما كانت طائرة من طراز DC-3 العائدة لشركة الخطوط الجوية البريطانية في طريقها من بلفاست...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram