علاء المفرجي العراق يكرم مبدعيه.. شعار رفعته وزارة الثقافة والإعلام لجائزة الإبداع في دورتها الأولى وهي بادرة تكتسب أهميتها من حاجتنا الماسة الى الافتخار بطاقاتنا ومبدعينا ومن هؤلاء القاص الزميل نزار عبد الستار الذي نال الجائزة في فرع القصة عن مجموعته الملفتة والمثيرة "رائحة السينما"
وهي بداية نراها تعزز من مصداقية هذه الجائزة وسلامة قراءتها للمشهد الإبداعي العراقي. الجميل في هذا الأمر ان قرار لجنة الجائزة جاء مكملا لهذا التميز وتتويجا استحقاقيا فكتاب رائحة السينما نال تقدير وإعجاب القراء وحاز اهتماما نقديا واسعا برز نزار عبد الستار كقاص له رؤية فنية واضحة الانفراد وعميقة الغور. كلنا نذكر قصة "ابونا" التي تصور الوجع الإنساني لامرأة تعاني غياب الزوج وتنسج أوهامها وأحلامها في بيت لا يخرج منه الأولاد. هذه الأم التي تملك مفتاح البيت تعامل أولادها الكبار بنظام طفولي فيختلط اتصالهم القديم بالماضي مع صور مختلقة عن الحاضر وتنشأ بين عزلتهم والعالم الخارجي علاقة وجع وأوهام. ونرى نزار عبد الستار يجسد الألم العراقي في قصة " صندوق الأماني " وهي عن رجل مبتور الساق يدفعه العوز إلى بيع أثاث بيته قطعة قطعة ثم يعثر على صندوق سحري يستعمل محتوياته لاسترجاع أدوات البيت وأثاثه وسط فرحة الزوجة التي ترى بيتها يعود كما كان فتطلب منه في نهاية تحقيق الأماني ان يعيد بالسحر أيضاً ساقه المبتورة فيفعل الزوج هذا ويحقق لها الأمنية لكنه يقول لها بنبرة حزينة" تمتعي برؤيتنا ونحن معك لاننا سنتلاشى انا والطباخ والتلفزيون وكل شيء مع صباح اليوم التالي". انه واقع عراقي مجروح يعيد القاص طرحه برؤية فنية وصياغة غنائية رشيقة فكثيرا ما يقترب نزار عبد الستار من الشعر في نحت مفرداته ودائما ما نراه يحلق عاليا في الخيال جامعا بين المفارقة الساخرة ووخزة القلب. مجموعة رائحة السينما بقصصها السبع إضافة ثرية للأدب القصصي العراقي فهي تستكشف عوالم نائية لكنها ثرة وتضيف لعناصر القص المعروفة نكهة جديدة فيها اشتغال متعدد يقترب من التوثيق الا انه يأخذ شكل الفنتازيا كما ان قصص المجموعة لا تنتظم في نسق واحد فنجدها تمزج القديم المثيولوجي بالواقع الجديد المتأزم وخير مثال على هذا قصة" قبل ان يذهب الى مصيره" التي تتحدث عن ملك آشوري يكابد المرض بينما طبيبه الخاص يناضل من اجل علاج العلة فنراه يبدأ باستعمال الأعشاب في علاج الملك المريض وينتهي باكتشاف الأسبرين والجراحة الحديثة. يقول الطبيب للملك" العلم في تطور يا مولاي.. نحن نتقدم بفضل مرضك المقدس واليوم يسرني ان أزف لك بشرى اختراعي للامبسلين.. بالأمس أجريت عملية زرع رئة وفي صباح اليوم تمكنت من استنساخ حصان. لقد أصبح لدينا الآن بفضل التهاب لوزتيك جيشا من جنود الأنابيب". ان عدم القدرة على علاج علة الملك هي قضية ذات مغزى ونزار عبد الستار يطرحها بشكل متفرد فالملك يخاف الموت لان موته يرتبط بالتفويض الإلهي وموازنة الكون والإلهة بدورها لا تجد الملك مذنبا لانه عمل على بناء المعابد وصنع الانتصارات وقام بما يجب ان يقوم به. وتوصلنا القصة بتفاصيلها الجميلة الى ان الشعب هو الآخر يبدأ بالشعور بالمرض والخمول مادام الملك مريضا لكن الموت في النهاية لابد ان يأتي فيشعر الملك الآشوري بالأسى لان القحط سيعم بموته ويختفي الزرع ويجوع الناس. عندها يستخدم الطبيب عواطفه العلمانية ليقول له بصوت خافت" لا تقلق يا مولاي سنستورد القمح والرز من استراليا وتايلند وفيتنام فاذهب بسلام". لاشك ان إظهار الجميل والمتميز في العطاء الوطني العراقي هو رسالة على الدولة ان تقوم بها وهذا سيكون عامل تشجيع على ان نرى هذا الإبداع بوضوح وان نعطيه حقه من الاهتمام او على اقل تقدير ان نشعر بالارتياح لان الاختيار كان نزيها وصائبا. قصص رائحة السينما فيها تقنيات مبتكرة تحسب لكاتبها وتحتوي على أزمنة متشابكة يغزلها القاص كزمن واحد فبالمحصلة النهائية كل شيء يصب في هوية الإنسان العراقي من جنوبه الى شماله ونزار عبد الستار يملك القدرة على جعل قصصه تكوينات شاملة تعطي صورة وافية عن الإنسان في هذا المكان منذ ان اكتشف الفجر ووصولا إلى العراق الجديد.
جائـزة الإبـداع ورائحـة سينمـا نـزار عبـد الستـار
نشر في: 29 يناير, 2010: 06:01 م