TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > تلويحة المدى :جوائزهم وجوائزنا

تلويحة المدى :جوائزهم وجوائزنا

نشر في: 29 يناير, 2010: 06:02 م

شاكر لعيبيحاز الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي على جائزة أدبية فرنسية رفيعة المستوى، هي جائزة أكاديمية "غونكور" للشعر أواخر عام 2009 عن مجموع أعماله التي صدرت عن منشورات "لاديفيرانس" (الاختلاف)،
 وقد سبق للعبي أن فاز قبل ثلاث سنوات بجائزة الشاعر الفرنسي آلان بوسكيه. قبله فاز بجائزة غونكور أدباءٌ عربٌ يكتبون باللغة الفرنسية مثل الطاهر بن جلون عن رواية "الليلة المقدّسة"، وأمين معلوف عن رواية "صخرة طانيوس"، إضافة إلى كتاب أجانب آخرين مثل الأفغانيّ عتيق رحيمي والسنغاليّة الأصل ماري ندياي، والأميركيّ جوناثان ليتل. من نافلة القول أن نذكر بأن هذه الجائزة هي الأرفع في فرنسا، ومثل جميع الجوائز تأتي أهميتها من بعدها الرمزيّ وليس بسبب قيمتها المادية على أهميتها. انطلاقاً فقط من منح الجائزة الفرنسية لكتابٍ أجانبَ، بعيداً عن الأثنية أو الديانة أو اللون أو الجنس، فإن القليل من الحسّ السليم سيُدلُّ المرءَ على البون الشاسع بين معايير الثقافة الفرنسية وعدالتها وعقلانيتها بالمقارَنة – وبالمقارَنة فقط- مع معايير الثقافة العربية وإيغالها في المظالم. بعد أن كانت ظاهرة الجوائز الأدبية والفكرية لدينا ممارَسة ضيقة أو كانت تمثل تقليداً محصوراُ في نطاق وطنيّ في بلد واحد، مصر مثلاً، فإنها قد شاعت اليوم وتكاثرتْ على طول وعرض العالم العربي. تدلّ قيمها المادية، عدا القليل المُشرِّف منها، على البخل الفاحش، خاصة تلك الجوائز التي تقترحها بلدان غنية. وهذا مؤشر مجازيّ دالّ على طبيعة الاعتبارات التي يحتفظ بها مانحوها عن قيمة الثقافة ومصيرها وأبنائها. وما عدا الفضائح والصغائر والتدخلات الشخصيّة والاعتبارات "القطريّة والإقليمية" العربية والأحكام الأيديولوجية السهلة والجهل بإنجازات الكثير من المبدعين الواقفين في الظل الهادئ، ثم الركون إلى الإشاعات والأقاويل بل استجداء البعض واستخذائهم من أجل هذه الجائزة أو تلك، فإن الجوائز في العالم العربي ما زالت فعلاً "تجريبياً" لا يخضع الكثير منها، وليس كلها، لاختباراتِ تحكيمٍ عادل، إذا لم يكن بعض محكّميها من المشكوك بحياديتهم أو المطعون بثقافة بعضهم أو إذا لم يكونوا من الواغلين في طائفيتهم، الإسلامية أو المسيحية على حدٍّ سواء. ولكي نستعيد المقارَبة ونرى بعين البصيرة أثر العناصر اللا أدبية في الفعل الأدبيّ العربي، فإننا سنتحقق من أن شاعراً محسوباً على "اليسار" مثل عبد اللطيف اللعبي، شاعراً ترجم الشعر الفلسطينيّ إلى الفرنسية بدءً بمحمود درويش وسميح القاسم، كما قدّم أهمّ الأدباء المارقين عن الأنساق العربية الجامدة إلى القارئ الفرنسي مثل محمد الماغوط وعبد الوهاب البياتي وحنا مينة وغسان كنفاني، وأعدّ أنطولوجيا عن شعر المقاومة، وأصدر قبل سنوات أنطولوجيا للشعر المغربيّ المعاصر بالعربية والفرنسية والأمازيغية، شاعراً يسارياً مثله ، ليس متديناً ولا إسلاموياً ولا مجاملاً للوبيات الصحفية الفرنسية ثقيلة الوزن، سيُحاكم في الغالب الأعمّ، وفق منطق بعض الجوائز العربية، على يساريته وعلمانيته الصريحة كما خبرنا وما قد نتخيّل انطلاقاً من تجاربنا الطويلة. نفتقد في العالم العربي تقاليد الجوائز، سواءً تعلق الأمر بالآليات أو الأيطيقيا كليهما، غير ناكرين أن هناك مَنْ يسعى لتوطين أخلاقياتٍ مُشْرقة، رغم ذلك، مُصطدِماً بالإشكاليات التي وصفناها قبل قليل، وكذلك بطبيعة السرية التي تتحكم بعمل لجان التحكيم، حتى أن هذه السرية تثير الريبة، في الشرط العربيّ، قليلاً مراتٍ وكثيراً مراتٍ، وتغدو موْطِنا للطعن أو الإقصاء أو "التآمر" على من لا يُحَبُّ حتى لو كان مبدعاً كبيراً. ثمة بونٌ شاسعٌ بين جوائزهم وجوائزنا. لنأمل بأن تكون جوائزنا أفضل حالاً فيما تأتي به الأيام.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram