لا أحسبُ أنّ لنائب ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جورجي بوستن، مصلحةً، ولا أظنّه مضطرّاً لأن يُدلي بتصريح كهذا في وقت كهذا بالذات ليضع نفسه في موضع التعارض مع طائفة واسعة من المثقفين ونشطاء المجتمع المدني والسياسيين والقوى السياسية في العراق.
غير مرّة التقيت السيد بوستن في مناسبات مختلفة وتبادلنا الآراء والمعلومات في شأن الوضع العراقي. لم تترك تلك اللقاءات لديَّ أيَّ شكٍّ في أنه شخص مناسب لمهمته العراقية وأمين على مساعدتنا في إيجاد حلول لمشكلاتنا التي تنوء بثقلها حتى الجبال الراسخات. لذا أرجو أن يكون ما قاله مجرد زلّة لسان أو ناجم عن غفلة، أو أنه قد قُوِّلَ بما لم يقله.
السيد بوستن حضر اجتماعاً وُصِف بأنه مهمّ، عقده مجلس المفوضية العليا "المستقلة" للانتخابات مع سفراء الاتحاد الأوروبي لدى العراق للبحث في موضوع انتخابات مجالس المحافظات. وبحسب بيان للمفوضية فإنّ نائب ممثل الأمين العام "أكد دعم المجتمع الدولي لمفوضية الانتخابات باعتبارها المؤسسة الدستورية التي تنظم وتدير العمليات الانتخابية"، ودعا " لتعزيز عمل المفوضية".
لا أتخيّل أنّ السيد بوستن لا يدري أنّ حملة واسعة، متواصلة ومتفاقمة، تجري في العراق طولاً وعرضاً، داعية إلى حلّ مفوضية الانتخابات وتشكيل مفوضية جديدة بإشراف الأُمم المتحدة، والسبب أن هناك قناعة عامة بأنّ هذه المفوضية ليست مستقلة ولم تكن يوماً مستقلة، كما سائر الهيئات الموصوفة بأنها "مستقلة" والتي هي في الواقع ليست مستقلة ولم تكن يوماً مستقلة أيضاً. كيف تكون هيئة ما مستقلة ما دامت الأحزاب والقوى المتنفذة في السلطة هي مَنْ يتولّى أمر تشكيلها، وما دامت تضمّ في قوامها ممثلين لهذه الأحزاب والقوى؟
الحملة المطالبة بحلّ مفوضية الانتخابات وإعادة هيكلتها وسائر الهيئات التي نصّ عليها الدستور، لم تقتصر على حركة التظاهرات الشعبية المتواصلة منذ سنة في مختلف المحافظات، فجميع منظمات المجتمع المدني الفاعلة تنخرط في هذه الحملة، وكذا العديد من الأحزاب والقوى السياسية، بما فيها أحزاب وقوى ممثلة في البرلمان والحكومة، فضلاً عن طائفة كبيرة ومرموقة من المثقفين والحقوقيين والأكاديميين والإعلاميين. بل إنّ الحملة انضمّ إليها أخيراً رئيس الجمهورية الذي اتّهم مفوضية الانتخابات منذ عشرة أيام بأنها "خاضعة للمحاصصة" ودعا إلى إعادة النظر في قانون الانتخابات. وإعادة هيكلة مفوضية الانتخابات وسائر الهيئات" المستقلة" أدرجتهما الحكومة ومجلس النواب في حِزمهما الإصلاحية بوصفها تعهداً مُلزماً. وفي الأشهر الأخيرة دعا العديد من البرلمانيين والسياسيين والناشطين إلى تأجيل انتخابات مجالس المحافظات إلى موعد يلي إعادة تشكيل المفوضية.
سيكون أمراً مخيّباً للآمال وباعثاً على الشعور بالأسف والأسى إذا ما اكتشفنا أنّ السيد بوستن لا يعلم بهذا كله، فيضع نفسه في موضع المدافع عن كيان منبوذ ولا يقف، كما تقتضي مهمته، إلى جانب العراقيين في مطالبتهم الملحّة بحلّ المفوضية وتشكيل مفوضية جديدة بإشراف المنظمة الدولية التي يمثّلها هو.
ما يتعيّن أن يعرفه السيد بوستن وسائر ممثلي الأمم المتحدة، أنّ مفوضية الانتخابات ليست هيئة محترمة إلّا من المستفيدين من عملها، وهم في الغالب من طلّاب السلطة والنفوذ والمال الفاسدين والمُفسدين. هذه المفوضية كانت على الدوام جزءاً من المشكلة، بل المحنة التي يكابدها العراقيون، فهي لعبتْ دور شاهد الزور، بل حصان طروادة، في تزوير إرادة الشعب بإيصال المئات من أعضاء مجالس النواب ومجالس المحافظات إلى مناصبهم من غير استحقاق.
حتّى أنتَ يا سيّد بوستن!
[post-views]
نشر في: 23 يوليو, 2016: 05:59 م