تبدو الأخبار جيدة كما كانت في 2007، حيث إستطاعت القوات العراقية بدعم من الولايات المتحدة طرد الارهابيين من مناطق مهمة فيما يبدو انه نقطة تحوّل في حملة القضاء على التمرّد.لكن الدرس المستنبط من 2007 هو ان مثل هذه الإنتصارات يمكن ان تكون عابرة، فالحركة
تبدو الأخبار جيدة كما كانت في 2007، حيث إستطاعت القوات العراقية بدعم من الولايات المتحدة طرد الارهابيين من مناطق مهمة فيما يبدو انه نقطة تحوّل في حملة القضاء على التمرّد.
لكن الدرس المستنبط من 2007 هو ان مثل هذه الإنتصارات يمكن ان تكون عابرة، فالحركة المتطرفة التي تعرف اليوم بداعش وجدت أرضاً خصبة في المناطق التي إعتقدت حكومة الولايات المتحدة بأنها كانت هادئة.
اليوم يحذّر دبلوماسيون ومحللون بأن نفس المزيج السام من الفراغ الأمني والحكم الطائفي يمكن ان يهدد المكاسب التي تحققت ضد داعش.
ويقول المحللون ان ما نفتقده هو سلطة سنيّة يمكنها ان تمسك وتحكم المناطق المحررة حديثاً. ويقول مختصون عراقيون ان خطط إستقرار العراق بعد هزيمة داعش محكومة بالفشل ان لم تكن هناك جهود دولية لمعالجة مظالم السنّة، وإيجاد حل لفوضى الطبقة السياسية السنيّة.
وبعد إحباطها من دفع القادة الشيعة للتواصل مع السنّة، تلقي الولايات المتحدة وغيرها بالموارد في خزائن السنّة المحليين، وهو تكتيك إستخدمته خلال الإحتلال أدى الى خلق نظام محسوبية والى سفك دماء عندما توقفت الأموال.
وتقول فانتابي ان "الخطر الأكبر هو إعادة تأسيس نفس نوع النظام السياسي الذي قاد الى ظهور داعش. علينا ان نحذر من تكرار أخطاء الماضي. التركيز المكثّف على الحملة العسكرية يتجاهل الخطر المتمثل في ان أموال إعادة الإعمار ساعدت على خلق الظروف التي أدت الى ظهور داعش".
وفي الإجتماعات الدبلوماسية ولقاءات وزراء الدفاع هذا الأسبوع والتي أشرف عليها وزير الخارجية جون كيري ووزير الدفاع آشتون كارتر، تركّزت التصريحات العلنية على الإشادة بإستعادة القوات العراقية المدعومة من الولايات المتحدة لما يقرب من نصف المناطق العراقية التي يسيطر عليها داعش.
ومع إقرار كيري وآشتون بالتحديات الخطيرة التي تواجه تفكيك الخلافة المزعومة، لم تجر محادثات حول نتائج مشاريع إستقرار البلد منذ الإجتياح الأميركي في 2003.
وحذّر باتريك مارتن، المحلل في معهد دراسة الحرب في تقرير الشهر الماضي، قائلاً "لا يمكن للحكومة العراقية ان تضمن إستقراراً بعيد المدى ما دام السنّة يشعرون بأنهم غير محميين وغير ممثلين في حكومتهم وربما يميلون أكثر للترحيب بالفكر المتطرف".
ان غياب تمثيل سنّي موثوق أضرّ بالجهود الأميركية الرامية الى تأطير العراق في ديمقراطية تعددية كما تصورتها إدارة بوش خلال الفترة التي سبقت الحرب.
على الصعيد الأمني، شهدت فكرة وجود قوة على غرار الحرس الوطني في المناطق السنيّة ركوداً، لأن الزعماء الشيعة لم يستسيغوا فكرة وجود قوة عسكرية يهيمن عليها السنّة، على الرغم من وجود عشرات المليشيات الشيعية بدرجات متفاوتة من الولاء لحكومة بغداد.
اما على الصعيد السياسي، فالإنقسامات الطائفية العميقة في العراق – التي أضفى عليها الإحتلال الأميركي طابع المؤسساتية – تركت لزعماء السنّة خياراً خاسراً؛ اما التحالف مع حكومة بغداد وتحمّل وصفهم بالخونة، أو الدفع تجاه مصالح السنّة بشكل مستقل وتحمّل إنتقام الحكومة.
ويقول أحد الدبلوماسيين في بغداد، رفض ذكر إسمه لعدم تخويله بالحديث في موضوع حسّاس كهذا، "ليست هناك أرضية وسط يمكنك ان تكون فيها مستقلاً الّا ان تتعاون أحياناً، مثل بعض الأحزاب الشيعية. السنّة ليس لديهم هذا، فإما ان تكون معاديا للحكومة أو إنك متفق كلياً معها".
واضاف قائلاً ان هذا الترتيب له عواقب وخيمة على الحملة التي تدّعي إدارة أوباما بأنها تكسب زخماً، "في ظل غياب قيادة سنيّة واضحة، لا يمكننا محاربة تنظيم داعش. يمكن قتاله هنا وهناك لكن لا يمكن هزيمته".
وتقول فانتابي ان رئيس الوزراء العبادي كانت لديه الإرادة السياسية للإصلاح من أجل تعزيز مشاركة السنّة، لكنه ربما لم يكن قوياً بما يكفي لتنفيذها دون دعم دولي قوي. وتضيف يجب ان تكون هناك خطط لكسب الشباب في المناطق الغربية والشمالية ذات الأغلبية السنيّة، لكن هذا لا ينفع ما لم تعط حكومة بغداد مجالاً سياسياً للأصوات الجديدة بدلاً من العودة الى النخب منزوعة الشرعية أصلاً.
ان الإضطرابات في المناطق السنيّة "لا تمثّل فقط تنديداً بسياسات حكومة بغداد وإنما هي أيضاً نضال ضد عجز قيادتهم السنيّة". الشيء الوحيد الذي تتفق عليه الفصائل السنيّة المتنافسة هو ان الحكومة المركزية في بغداد لا يمكن الإعتماد عليها في منح السنّة حصتهم من الأموال التي يوفرها التحالف الدولي والأسلحة لتأمين أنفسهم.
اما ما وراء ذلك فكل يفكر بطريقته حول أموال إعادة الإعمار والسيطرة على المليشيات العشائرية المسلحة للسكان الذين يعتبرون داعش وحكومة بغداد لعنة عليهم.
ومن المحتمل ان تتكثّف الآن لعبة شدّ الحبل حول أموال الإغاثة حيث أثمر مؤتمر الدول المانحة هذا الأسبوع عن أكثر من ملياري دولار خصصت للجهود الإنسانية و الإستقرار.
ومن جانبها تقر وزارة الخارجية بالقلق من السرعة البطيئة لإصلاحات بغداد من إحتمال إنحراف الأموال الجديدة عن المناطق المحتاجة اليها نتيجة الفساد و المحسوبية.
وقالت اليزابيث ترودو، المتحدث عن وزارة الخارجية الأميركية الجمعة، ان "هذه إحدى نقاط الحوار التي لازلنا نناقشها مع وكالة الإغاثة الأميركية بغض النظر عن المكان الذي تذهب اليه الأموال في العالم".
وفي بداية الشهر الحالي أوضح صحفي عراقي، من موقع (المراقب) المتخصص بتحليلات الشرق الأوسط، كيف ان الإقتتال السنّي الداخلي قد بدأ بشأن السيطرة على مشاريع إعادة إعمار المناطق التي تحررت مؤخراً. حيث تمت إقالة محافظ الأنبار من قبل مجلس المحافظة، فردّ مؤيدوه بالطلب من البرلمان الموافقة على محافظة منفصلة.
أما الفصائل السنيّة الأخرى – الحزب الإسلامي العراقي، الجبهة الوطنية، ديوان الوقف السنّي، الجبهة العراقية للحوار الوطني – فانها تتناحر علناً.
وجاء في تقرير (المراقب) ان الصراع المتوقع داخل المناطق السنيّة بعد تحريرها من داعش قد ينتج عنه ظهور مجاميع مسلحة جديدة يمكن ان تعمل ضد الحكومة العراقية و تحاول السيطرة على تلك المناطق. كل هذه المؤشرات تبين ان الصراع السنّي – السنّي يلوح في الأفق".
عن: بيلنغهام هيرالد